الدنيا فكل تفكيره في الدنيا ، وكل عمله لها فيصبح بذلك أشبه بالآلة منه بالحيوان. وتصبح الحياة معه عقيمة الفائدة فلذا يجب الإعراض عنه وتركه إلى أن يأذن الله فيه بشيء.
وقوله تعالى (ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ (١) مِنَ الْعِلْمِ) أي هذا الطلب للدنيا هو ما انتهى إليه علمهم فلذا هم آثروها عن الآخرة التي لم يعلموا عنها شيئا.
وقوله تعالى في خطاب رسوله (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَ (٢) عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى) أي إن ربك أيها الرسول هو أعلم منك ومن غيرك بمن ضل عن سبيله قدرا وأزلا فضل في الحياة الدنيا أيضا ، وهو أعلم بمن اهتدى ، قضاء وقدرا وواقعا في الحياة الدنيا وسيجزى كلا بما عمل من خير أو شر فلا تأس يا رسولنا ولا تحزن وفوّض الأمر إلينا فإنا عالمون ومجازون كل عامل بما عمل في دار الجزاء.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ أكثر الأمراض مردها إلى قلب لا يؤمن بالآخرة.
٢ ـ أكثر الفساد في الأرض هو نتيجة الجهل وعدم العلم اليقيني.
٣ ـ التحذير من الماديين فإنهم شر وخطر وواجب الإعراض عنهم لأنهم شر الخليقة.
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (٣٢))
__________________
(١) قال الفراء : صغّرهم وازدرى بهم أي : ذلك قدر عقولهم ونهاية علمهم أن آثروا الدنيا على الآخرة.
(٢) هذه الجملة تعليل لجملة : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى) والجملة متضمنة زيادة على التسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم الوعد والوعيد فالوعد للمهتدين من الرسول والمؤمنين والوعيد للمشركين الضالين عن سبيل الهدى فإن جزاءهم الشقاء في دار الشقاء.