(فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) : أي فهمّ الصحابة أن يخالفوا أمر رسول الله بالصلح فأنزل الله سكينته عليهم فرضوا ووافقوا فتم الصلح.
(وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) : أي ألزمهم كلمة لا إله إلا الله إذ هي الواقية من الشرك.
(وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها) : أي أجدر بكلمة التوحيد وأهلا للتقوى.
(وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) : أي من أمور عباده وغيرها ومن ذلك علمه بأهلية المؤمنين وأحقيتهم بكلمة التقوى «لا إله إلا الله».
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في الحديث عن صلح الحديبية فقال تعالى في المشركين ذاما لهم عائبا عليهم صنيعهم (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي بالله ورسوله (وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أن تدخلوه وأنتم محرمون (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً) أي وصدوا الهدى (١) والحال أنه محبوس ينتظر به دخول مكة لينحر وقوله تعالى (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ) (٢) (مُؤْمِناتٌ) بمكة (لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) لأنهم كانوا يخفون إسلامهم غالبا ، كراهة (أَنْ تَطَؤُهُمْ) أثناء قتالكم المشركين (فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) (٣) منكم بهم والمعرة العيب والمراد به هنا التبعة وما يلزم من قتل المسلم خطأ من الكفارة والدية لو لا هذا لأذن لكم في دخول مكة غازين فاتحين لها وقوله تعالى (لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) أي لم يأذن لكم في القتال ورضي لكم بالصلح ليدخل في رحمته من يشاء فالمؤمنون نالتهم رحمة الله إذ لم يؤذوا بدخولكم مكة فاتحين والمشركون قد يكون تأخر الفتح سببا في إسلام من شاء الله تعالى له الإسلام لا سيما عند ما رأوا رحمة الإسلام تتجلى في ترك القتال رحمة بالمؤمنين والمؤمنات حتى لا يتعرضوا للأذى فدين يراعي هذه الأخوة دين لا يحرم منه عاقل. وقوله تعالى (لَوْ تَزَيَّلُوا) أي (٤) لو تميّز المؤمنون والمؤمنات عن المشركين بوجودهم في مكان خاص بهم لأذنا لكم في دخول مكة وقتال المشركين وعذّبناهم بأيديكم عذابا أليما وقوله (إِذْ جَعَلَ (٥) الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ
__________________
(١) (الْهَدْيَ) ، والهدي بكسر الدال وتشديد الياء ، لغتان ، والواحدة هدية.
(٢) كسلمة بن هشام وعباس بن أبي ربيعة وأبي جندل بن سهيل. وأشباههم ، وجواب لو لا محذوف تقديره : لأذن الله لكم في دخول مكة ولسلطانكم عليهم.
(٣) (بِغَيْرِ عِلْمٍ) فيه تفضيل للصحابة وإخبار عن كمالهم في الخلق والدين ، وهذا كقول النملة في سليمان وجنوده : (لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ).
(٤) (لَوْ تَزَيَّلُوا) أي : تميزوا وتفرقوا. و (لَوْ) حرف امتناع لامتناع امتنع الشرط وهو التفرق ، فامتنع التسلط ، والقتل بالإذن للمسلمين بقتالهم وقتلهم. وفي هذا دليل على أنه لا يجوز إغراق باخرة للكافرين فيها مسلمون ، ولا ضرب حصن بالقذائف داخله مسلمون وهو ما رآه مالك.
(٥) يجوز أن يكون الظرف ، (إِذْ) متعلقا بقوله تعالى : (لَعَذَّبْنَا) وجائز أن يعلق بمحذوف تقديره : واذكروا إذ جعل الخ.