(فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) : أي علم الله ما في قلوبهم من الصدق والوفاء فأنزل الطمأنينة والثبات على ما هم عليه.
(وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) : أي هو فتح خيبر بعد انصرافهم من الحديبية في ذي الحجة. وفي آخر المحرم من سنة سبع غزوا خيبر ففتحها الله تعالى عليهم.
(وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها) : أي من خيبر.
(وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) : أي كان وما زال تعالى عزيزا غالبا حكيما في تصريفه شؤون عباده.
معنى الآيتين :
قوله تعالى (لَقَدْ رَضِيَ (١) اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ) (٢) هذا إخبار منه تعالى برضاه عن المؤمنين الكاملين في إيمانهم وهم ألف وأربعمائة الذين بايعوا الرسول صلىاللهعليهوسلم تحت شجرة سمرة إلّا الجد بن قيس الأنصاري فإنه لم يبايع حيث كان لاصقا بإبط ناقته مختبئا عن أعين الأصحاب وكان منافقا ومات على ذلك لا قرت له عين. وسبب هذه البيعة كما ذكره غير واحد أن النبي صلىاللهعليهوسلم دعا خراش بن أمية الخزاعي فبعثه إلى قريش بمكة وحمله على جمل له يقال له الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له «وهو الاعتمار» وذلك حين نزل الحديبية. فعقروا به جمل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأرادوا قتله فمنعته الأحابيش «فرق من شتى القبائل يقال لهم الأحابيش واحدهم أحبوش يقال لهم اليوم : اللفيف الأجنبي عبارة عن جيش أفراده من شتى البلاد والدول. فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وهنا دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له فقال يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني ، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليهم ، ولكني أدلك على رجل هو أعز بها مني عثمان بن عفان فدعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عثمان فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب وإنما جاء زائرا لهذا البيت معظّما لحرمته فراح عثمان إلى مكة فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة ، أو قبل أن يدخلها فنزل عن دابته فحمله بين يديه ثم ردفه وأجاره
__________________
(١) هذا رجوع إلى تفصيل ما جزى به الله تعالى أهل بيعة الرضوان الذي تقدم إجماله في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) الآية.
(٢) في قوله تعالى عن المؤمنين (إِذْ يُبايِعُونَكَ) إعلام بأن من لم يبايع ممن خرج مع الرسول صلىاللهعليهوسلم كالجد بن قيس لم يفز برضى الله تعالى وأنه غير مؤمن.