(وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) : أي ويطلبون فى الأرض الفساد فيها بالشرك والظلم والإجرام.
(وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ) : أي ولمن صبر فلم ينتصر لنفسه وغفر وتجاوز عمن أساء إليه.
(إِنَّ ذلِكَ) : أي إن ذلك الصبر والتجاوز عن المسيء.
(لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) : أي لمن معزومات الأمور المطلوبة شرعا.
(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) : أي حسب سنته فى الإضلال.
(فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ) : أي فليس له من أحد يتولى هدايته ويقدر عليها.
(هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) : أي هل إلى مرد إلى الحياة الدنيا من سبيل نسلكها لنعود الى الدنيا.
(وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها) : أي على النار خاشعين خائفين متواضعين.
(يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) : أي من عين ضعيفة النظر كما ينظر المقتول الى السيف لا يملأ عينه منه
(يَوْمَ الْقِيامَةِ) : أي لخلودهم فى النار ، وعدم وصولهم إلى الحور العين فى دار السّلام.
(أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ) : أي المشركين.
(فِي عَذابٍ مُقِيمٍ) : أي دائم لا يخرجون منه وهو عذاب الجحيم.
(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ) : أي طريق إلى الهداية فى الدنيا ، وإلى الجنة يوم القيامة.
معنى الآيات :
لقد تقدم قوله تعالى فى الآية قبل هذه : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) فلما نفى عن المنتصرين السبيل إلى عقوبتهم أثبت هنا أن السبيل الى العقوبة والمؤاخذة هو على الذين (١) يظلمون الناس بالاعتداء عليهم فى أبدانهم أو أعراضهم أو أموالهم ويبغون فى الأرض بغير الحق أى ويطلبون الفساد فيها بالشرك والظلم والمعاصى ، وليس فى الشرك والظلم والمعاصى من حق يبيحها ، وقوله (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي للذين يبغون فى الأرض بغير الحق لهم عذاب أليم أي موجع وهو عذاب الدنيا بعقوبتهم الصارمة ويوم القيامة ان لم يتوبوا من الظلم والفساد فى الأرض.
وقوله تعالى : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (٢) يخبر تعالى مؤكدا الخير بلام الابتدا ان من صبر فلم ينتصر لنفسه من أخيه المسلم وغفر لأخيه زلته فتجاوز له عنها فان ذلك المذكور من الصبر والتجاوز من معزومات الأمور المطلوبة شرعا.
__________________
(١) هذه الآية تقابل آية التوبة (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) حيث نفت السبيل على المحسنين وهو لومهم وعتابهم وهذه أثبتته على المسيئين الظالمين.
(٢) قال العلماء هذا فيمن ظلمه مسلم فإنه مندوب إلى الصبر وعدم المؤاخذة وهو العفو روى أن رجلا سب آخر في مجلس الحسن البصري فكان المسبوب يكظم ويعرق ويمسح العرق ثم قام فتلا هذه الآية فقال الحسن عقلها والله وفهمها إذ ضيعها الجاهلون ، والعزم عقد النية على العمل والثبات عليه.