بحق ، ومظهر آخر فى قوله تعالى (وَمِنْ آياتِهِ) الدالة على وجوده وقدرته وعلمه وحكمته الموجبة لربوبيته لسائر خلقه والمستلزمة لألوهيته على سائر عباده : (خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ايجادهما بما هما عليه من عجائب الصفة ، (وَما بَثَ) أى فرق ونشر (فِيهِما مِنْ دابَّةٍ) تدب على الأرض ، أو ملك بسبح فى السماء. فهذا الخلق والإبداع ناطق بربوبيته تعالى صارخ بألوهيته لعباده فلم إذا يعبد غيره من مخلوقاته وتترك عبادته وفوق هذا المظهر للخلق والرزق والتدبير مظهر آخر وهو قدرته تعالى على جمع سائر خلقه في صعيد واحد ومتى؟ وإنه بعد إفنائهم وتصييرهم عظاما ورفاتا ، وهو معنى قوله : (وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) (١).
وقوله تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ (٢) أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (٣) ، وهذا مظهر آخر للقدرة والعلم يتجلى فيما يصيب الإنسان من مصيبة فى نفسه وولده وماله إن كل مصاب ينزل بالإنسان فى هذه الحياة ناتج «عن مخالفة لله تعالى فيما وضع من القوانين والشرائع والسنن. وأعظم دلالة أن يعطل القانون الماضى ويوقف مفعوله فيكسب العبد الذنب ولا يؤاخذ به عفوا من الله تعالى عليه ، وهو معنى قوله تعالى (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ). فله الحمد وله المنة. ومظهر آخر من مظاهره قدرة الله وعلمه وحكمته هو ان الناس مهما أوتوا من قوة وتدبير وعلم ومعرفة لم ولن يعجزوا الله تعالى (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) فالسماء فوقهم والأرض تحتهم إن يشأ يخسف الأرض من تحتهم أو يسقط السماء كسفا من فوقهم. فإلى أين المهرب والجواب الى الله فقط بالاستسلام له والانقياد بالطاعة وفى ذلك نجاتهم وعزهم وكرامتهم زيادة على سعادتهم وكمالهم في الحياتين وقوله : (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) أي وليس لكم أيها الناس مع عجزكم من ولي يتولاكم ولا ناصر ينصركم. إذا ففروا إلى الله بالإيمان به والإسلام له تنجوا وتسعدوا.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ بيان الحكمة فى تقدير الأرزاق وإعطائها بمقادير محددة.
٢ ـ من مظاهر ربوبية الله تعالى الموجبة لألوهيته على عباده إنزال الغيث بعد اليأس والقنوط وخلق السموات والأرض وما بث فيها من دابة.
٣ ـ بيان حقيقة علمية ثابتة وهى أن المخالفة للقوانين يترتب عليه ضرر يصيب المخالف.
٤ ـ بيان أنه ما من مصيبة تصيب المرء فى نفسه أو ولده أو ماله إلا بذنب ارتكبه.
__________________
(١) تقرير لعقيدة البعث والجزاء أثناء تقرير عقيدة التوحيد والنبوة المحمدية.
(٢) قرأ نافع بما كسبت وقرأ حفص (فَبِما كَسَبَتْ) بزيادة الفاء.
(٣) قال الحسن لما نزلت هذه الآية قال النبي صلىاللهعليهوسلم ما من اختلاج عرق ولا خدش عود ولا نكبة حجر إلا بذنب ، ولما يعفوا الله عنه أكثر. وشاهد آخر من كتاب الله تعالى قوله تعالى (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ).