(وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ) : أي فرق ونشر من كل ما يدب على الأرض من الناس وغيرهم.
(وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) : أي للحشر والحساب والجزاء يوم القيامة قدير.
(وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ) : أي بليه وشدة من الشدائد كالمرض والفقر.
(فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) : أي من الذنوب والآثام.
(وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) : أي منها فلا يؤاخذ به ، وما عفا عنه فى الدنيا لا يؤاخذ به فى الآخرة.
(وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) : أي ولستم بفائتي الله ولا سابقيه هربا منه إذا أراد مؤاخذتكم بذنبكم.
معنى الآيات :
قوله تعالى : (وَلَوْ بَسَطَ (١) اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) هذا شروع في عرض مظاهر القدرة والعلم والحكمة الموجبة لربوبية الله تعالى المستلزمة لألوهيته على عبادته فقال تعالى : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ) أي رب العباد الرزق فوسعه عليهم لبغوا فى الأرض فطفا بعضهم على بعض وظلم بعضهم بعضا ولزم ذلك فساد كبير (٢) فى الأرض قد تتعطل معه الحياة بكاملها.
(وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ) أي ينزل من الأرزاق بمقادير محددة حسب تدبيره لحياة عباده ويدل على هذا قوله (إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ (٣) بَصِيرٌ) أي إنه بما تتطلبه حياة عباده ذات الآجال المحدودة ، والأعمال المقدرة الموزونة ، والنتائج المعلومة أزلا. هذا مظهر من مظاهر العلم والقدرة والحكمة ومظهر آخر فى قوله ، (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) ، فإنزال المطر بكميات ومقادير محدودة وفى أماكن محددة ، وفى ظروف محددة هذا التصرف ما قام إلا على مبدأ القدرة القاهرة والخبرة التامة ، انه يمنع عن عباده المطر فيمحلوا ويجدبوا حتى ييأسوا ويظهر عجزهم وعجزا آلهتهم التى يعبدونها ظلما فاضحا إذ لا تستحق العبادة بحال من الأحوال ثم ينزل الغيث وينشر (٤) الرحمة فتعم الأرزاق والخيرات والبركات ، وهو الولي الذى لا تصلح الولاية لغيره الحميد أي المحمود بصنائع بره وعوائد خيره ومظاهر رحمته. هو الولي بحق والمحمود
__________________
(١) روى أن خباب بن الأرت قال هذه الآية نزلت فينا نظرنا إلى أموال بني النضير وقريظة وقينقاع فتمنيناها فنزلت (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ) الآية والآية تضمنت ردا على من يقول ما دام الله يستجيب للذين آمنوا الخ لم لا يسألونه سعة الرزق فيغنهم ويثريهم بالأموال فكان الجواب ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض.
(٢) وشاهده من السنة هو قوله صلىاللهعليهوسلم فو الله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم ان تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم فتتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم.
(٣) القدر بفتحتين : المقدار والتعيين والجمع بين صفتي «خبير» و «بصير» لأن وصف خبير ، دال على العلم بمصالح العباد وأحوالهم قبل تقديرها وتقدير أسبابها أي العلم بما سيكون ووصف بصير دال على العلم المتعلق بأحوالهم التي حصلت.
(٤) الغيث المطر وسمي غيثا لأن به غيث الناس المضطرين.