الذى أنزل الكتاب أى القرآن بالحق والصدق وأنزل الميزان (١) وذلك من أجل احقاق الحق فى الأرض وإبطال الباطل فيها ، فلا يعبد إلا الله ولا يحكم إلا شرع الله وفى ذلك كمال الإنسانية وسعادتها ، وقوله تعالى : (وَما يُدْرِيكَ) (٢) (لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) أي أي شىء جعلك تدري قرب الساعة إنّه الوحى الإلهى لا غير وقوله (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها) أي الذين لا يؤمنون بالبعث الآخر والجزاء فيه هم الذين يطالبون بإتيانها في غير وقتها ويستعجلون الرسول بها بقولهم متى الساعة؟ أما المؤمنون بالبعث والجزاء فإنهم مشفقون أى خائفون من وقوعها لأنهم لا يدرون مصيرهم فيها ولا يعلمون ما هم صائرون اليه من سعادة أو شقاء وقوله (وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُ) أى والمؤمنون يعلمون أن الساعة حق واجبة الوقوع ليحكم الله فيها بين عباده ويجزى كل واحد بعمله ، ويقتصّ فيها من المظلوم للظالم فلذا هي واقعة حتما لا تتخلف ابدا.
وقوله تعالى : (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) يخبر تعالى مؤكدا الخبر بأن الذين يشككون فى الساعة ويجادلون فى صحة وقوعها فى ضلال عن الهدى والصواب والرشد ، بعيد لا يرجى لهم معه العودة إلى الصواب والهدى فى هذه المسألة من مسائل العقيدة. وقوله تعالى : (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) يخبر تعالى بأنه ذو لطف بعباده مؤمنهم وكافرهم برهم وفاجرهم يكفر به الكافرون ويعصيه العاصون وهو يطعمهم ويسقيهم ويعفو عنهم ولا يهلكهم بذنوبهم فهذا من دلائل لطفه بهم. يرزق من يشاء أي يوسع الرزق على من يشاء ويقدر على من يشاء حسب ما تقضيه تربيتهم فلا يدل الغنى على الرضاء ولا الفقر على السخط. وهو تعالى القوى القادر الذى لا يعجزه شيء العزيز فى انتقامه ممن أراد الانتقام منه وقوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ (٣) حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) ، وهذا من مظاهر لطفه بعباده وهو أن من أراد منهم بعمله ثواب الآخرة وما أعد الله فيها للمؤمنين المتقين نزد له فى حرثه أي يضاعف له أجر عمله الحسنة بعشر الى سبعمائة ويضاعف لمن يشاء ومن كان يريد بعمله حرث الدنيا أى متاع الحياة الدنيا يؤته على قدر عمله للدنيا وهو ما قدره له أزلا وجعله مقدورا له لا بد نائله ، وما له فى الآخرة من نصيب لأنه لم يعمل لها فلاحظ ولا نصيب له فيها إلا النار وبئس القرار.
وقوله تعالى فى الآية (٢١) (أَمْ لَهُمْ (٤) شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) يقول
__________________
(١) هل المراد من الميزان العدل أو هو الآلة التي يوزن بها والظاهر أنه الآلة التي يوزن بها إذ بها يتم العدل ولقوله تعالى .. (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) وإنزاله إلهام وضعه والعمل به.
(٢) (ما) استفهامية أي من جعلك تدري قرب الساعة. قال ابن عباس ما قال تعالى فيه وما أدراك فقد أدراه ، وما قال فيه وما يدريك فإنه لم يدره به.
(٣) المراد بالحرث العمل والكسب قال الشاعر :
كلانا إذا ما نال شيئا أفاته |
|
ومن يحترث حرثى وحرثك يهزل |
بهذه الآية رد على من زعم أن المرء لو دخل ماء للتبرد فيه أن له أن يصلي به لأن الآية نص في إرادة العمل والثواب بحسب الإرادة التي هي النية.
(٤) (أَمْ) للإضراب الانتقالي والاستفهام للتقريع والتوبيخ.