يقال الله أعلم بمراده به إذ هو من المتشابه الذي يجب الإيمان به ويوكل أمر معناه إلى من أنزله ، وقد ذكرنا غير ما مرة أن هذه الحروف قد أفادت فائدتين فليطلبهما من شاء من القراء الكرام من السور المفتتحة بمثل هذه الحروف نحو طس ، ألم. وأما قوله (وَالْقُرْآنِ) هو كتاب الله هذا المنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم و (ذِي الذِّكْرِ) (١) معناه التذكير إذ به يذكر الله تعالى والجملة قسم أقسم الله به فقال (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) وجواب القسم محذوف تقديره (٢) ما الأمر كما يقول هؤلاء المشركون من أن النبي محمدا صلىاللهعليهوسلم ساحر وشاعر وكاذب (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ) أي بل هم في عزة نفس وكبرياء وخلاف وعداوة مع النبي صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين فحملهم ذلك على أن يقولوا في الرسول ما قالوا ، وإلّا فهم يعلمون يقينا أن النبي محمدا صلىاللهعليهوسلم أبعد الناس عن السحر والشعر والكذب والجنون. وقوله تعالى (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) أي كثيرا من الأمم الماضية أهلكناها بتكذيبها لرسلها فلما جاءهم العذاب نادوا (٣) صارخين مستغيثين (وَلاتَ (٤) حِينَ مَناصٍ) أي وليست الساعة ساعة نجاة ولا هرب ، فلم لا يعتبر مشركو مكة بمثل هؤلاء. لم يعتبروا (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) ينذرهم عذاب الله في الدنيا والآخرة وهو محمد صلىاللهعليهوسلم. (وَقالَ الْكافِرُونَ) أي لم يعتبروا وعجبوا وقالوا فيه صلىاللهعليهوسلم (ساحِرٌ كَذَّابٌ). (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) (٥) أي عجيب أي كيف يسع العباد إله واحد إن هذا لأمر يتعجب منه غاية العجب ، لأنهم قاسوا الغائب وهو الله تعالى على الشاهد وهو الإنسان الضعيف فوقعوا في أفحش خطأ وأقبحه.
وقوله تعالى (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ) وهم يقولون لبعضهم بعضا امشوا واصبروا على آلهتكم (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ) أي منا إمضاؤه وتنفيذه. قالوا هذا وما بعده من القول لما اجتمعوا بالرسول صلىاللهعليهوسلم في منزل عمه أبي طالب لمفاوضة الرسول في شأن دعوته فلما قال لهم الرسول صلىاللهعليهوسلم قولوا لا إله إلا الله قاموا من المجلس وانطلقوا يمشون ويقولون ما أخبر تعالى به عنهم (أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ) أي على عبادتها فلا تتخلوا عنها (إِنَّ هذا) أي الدعوة إلى لا إله إلا الله لشيء
__________________
(١) في شرح هذه الكلمة عدة أوجه منها ذي الشرف أي من آمن به وعمل بما فيه كان شرفا له. في الدارين كما أنه شريف في نفسه لإعجازه ، وقيل ذي الذكر أي فيه ذكر ما يحتاج إليه وقيل الموعظة وقيل فيه أسماء الله وتمجيده.
(٢) وذكر لجواب القسم أمور منها ما في التفسير وهو أمثلها وقيل الجواب بل الذين كفروا وقيل الجواب إنه لمن عند الله تعالى أي القرآن المؤلف من حروف ص وغيره.
(٣) النداء رفع الصوت ومنه الحديث «ألقه على بلال فإنه أندى منك صوتا» القرن الأمة.
(٤) ولات هي لا النافية زيدت فيها التاء كما زيدت في ربت وثمت وهي مشبهة بليس وهي مختصة بنفي أسماء الزمان والمناص النجاء والغوث وهو مصدر ميمي من ناصه إذ فاته والمعنى فنادوا مبتهلين في حال ليس فيها وقت نجاة وغوث.
(٥) العجاب وصف الشيء الذي يتعجب منه كثيرا لأن وزن فعال بضم أوله يدل على تمكن الوصف مثل طوال أو كرام.