لعلمه المحيط بكل شيء وجهلنا لكل شيء إلا ما علمناه فأزال به جهلنا وقوله : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) لهلكتم (١) بجهلكم وسوء عملكم. ولكن لما أحاطكم الله به من فضل لم تستوجبوه إلا برأفته بكم ورحمته لكم عفا عنكم ولم يعاقبكم.
وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا (٢) خُطُواتِ الشَّيْطانِ) أي يا من صدقتم الله ورسوله لا تتبعوا خطوات الشيطان فإنه عدوكم فكيف تمشون وراءه وتتبعونه فيما يزين لكم من قبيح المعاصي وسيء الأقوال والأعمال فإن من يتبع خطوات الشيطان لا يلبث أن يصبح شيطانا يأمر بالفحشاء والمنكر ، ففاصلوا هذا العدو ، واتركوا الجري وراءه فإنه لا يأمر بخير قط فاحذروا وسواسه وقاوموا نزغاته بالاستعاذة بالله السميع العليم فإنه لا ينجكم منه إلا هو سبحانه وتعالى وقوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) وهذه منة أخرى وهي أنه لو لا فضل (٣) الله على المؤمنين ورحمته بحفظهم ودفع الشيطان عنهم ما كان ليطهر منهم أحد ، وذلك لضعفهم واستعدادهم الفطري للاستجابة لعدوهم ، فعلى الذين شعروا بكمالهم ؛ لأنهم نجوا مما وقع فيه عصبة الإفك من الإثم أن يستغفروا لإخوانهم وأن يقللوا من لومهم وعتابهم ، فإنه لو لا فضله عليهم ورحمته بهم لوقعوا فيما وقع فيه اخوانهم ، فليحمدوا الله الذي نجاهم وليتطامنوا تواضعا لله وشكرا له. وقوله : (وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي فمن شاء الله تزكيته زكاه وعليه فليلجأ إليه وليطلب التزكية منه ، وهو تعالى يزكي من كان أهلا للتزكية ، ومن لا فلا ، لأنه السميع لأقوال عباده والعليم بأعمالهم ونياتهم وأحوالهم وهي حال تقتضي التضرع إليه والتذلل وقوله تعالى : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ (٤) مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ (٥) أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا) هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق لما منع مسطح بن أثاثة
__________________
(١) (لهلكتم) هو جواب لو لا المحذوف والسر في حذفه أن تذهب النفس كل مذهب ممكن في تقديره بحسب المقام والسياق.
(٢) في الآية إشارة أفصح من عبارة وهي : أنّ الظنون السيئة وحب الفاحشة وحب إشاعتها بين المؤمنين كل هذا من وساوس الشيطان وتزيينه للناس للفتنة والإفساد.
(٣) لو لا هنا : حرف امتناع لوجود امتنع عدم التزكية لوجود فضل الله تعالى ورحمته ، والجملة سيقت للامتنان على المؤمنين ليشكروا.
(٤) روي في الصحيح أن الله تبارك وتعالى لما أنزل : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) العشر آيات ، قال أبو بكر ، وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال في عائشة فأنزل الله تعالى (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ) إلى قوله (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) فقال أبو بكر : والله إني لأحب أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه. وقال : لا أنزعها منه أبدا. قال ابن المبارك. هذه أرجى آية في كتاب الله.
(٥) الفضل : الزيادة وهي ضد النقص. والسعة : الغنى والائتلاء : الحلف مأخوذ من الألية التي هي الحلف.