معنى الآيات :
ما زال السياق في الحوار بين موسى وقومه فبعد لومه أخاه وعذله له التفت إلى السامري المنافق إذ هو من عبّاد البقر وأظهر الإسلام في بني إسرائيل ، ولما اتيحت له الفرصة عاد إلى عبادة البقر فصنع العجل وعبده ودعا إلى عبادته فقال له : في غضب (فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُ) أي ما شأنك وما الذي دعاك إلى فعلك القبيح الشنيع هذا فقال السامري كالمعتذر (بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) أي علمت ما لم يعلمه قومك (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ) حافر فرس (الرَّسُولِ (١) فَنَبَذْتُها) في الحلي المصنوع عجلا فخار كما تخور البقر. (وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) ذلك أي زينته لي وحسنته ففعلته ، وهنا أجابه موسى عليهالسلام بما أخبر تعالى به في قوله : (قالَ فَاذْهَبْ (٢) فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ) (٣) أي لك مدة حياتك أن تقول لمن أراد أن يقربك لا مساس أي لا تمسني ولا أمسك لتتيه طول عمرك في البرية مع السباع والحيوان عقوبة لك على جريمتك ، ولا شك أن فراره من الناس وفرار الناس منه لا يكون مجرد أنه لا يرقب في ذلك ، بل لعله قيل إنها الحمى فإذا مس أحد حمّا معا أي أصابتهما الحمى معا كأنه اسلاك كهربائية مكشوفة من مسها تكهرب منها. وقوله له : (وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ) ، أي ذاك النفي والطرد عذاب الدنيا ، وإن لك عذابا آخر يوم القيامة في موعد لن تخلفه أبدا فهو آت وواقع لا محالة.
وقوله : أي موسى للسامري : (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ) المزعوم (الَّذِي ظَلْتَ (٤) عَلَيْهِ عاكِفاً) تعبده لا تفارقه ، والله (لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَ (٥) لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً) وفعلا حرقه ثم جعله كالنشارة
__________________
(١) الرسول هنا : جبريل عليهالسلام قاله جمهور المفسرين ، وقالوا : إنّ السامري فتنه الله تعالى فأراه جبريل راكبا فرسا فوطىء حافر الفرس مكانا فإذا هو مخضرّ بالنبات ، فعلم السامري أن أثر فرس جبريل إذا ألقي على جماد صار حيا ، فقبض من تراب وطئه حافر الفرس واحتفظ به إلى اليوم ، ولما صنع العجل ألقاه عليه فصار له خوار كالعجل الحيوان.
(٢) نفاه موسى عن قومه ، وأمر بني اسرائيل ألا يخالطوه ولا يقربوه ولا يكلموه عقوبة له. قال الشاعر :
تميم كرهط السامري وقوله |
|
ألا لا تريد السامري مساسا |
هذه المسألة أصل في نفي أهل البدع والمعاصي وهجرانهم وألّا يخالطوا وقد فعل النبي صلىاللهعليهوسلم ذلك بالذين تخلفوا عن غزوة تبوك.
(٣) (لا مِساسَ) : المساس مصدر ماسه يماسه ومساسا. ولا : نافية للجنس ومساس : اسمها مبني على الفتح.
(٤) (ظَلْتَ) : أي : دمت وأقمت عليه عاكفا أي : ملازما وأصل ظلت : ظللت قال الشاعر :
خلا أنّ العتاق من المطايا |
|
أحسن به فهن إليه شوس |
فأحسن أصله : أحسسن حذفت إحدى السينين كما حذفت إحدى اللامين.
(٥) النسف : نقض الشيء ليذهب به الريح ، وهو : التذرية ، والمنسف آلة ينسف بها الشيء ، والنسافة : ما يسقط منه.