(هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) (١) آتون بعدي ، وعجلت المجىء إليك لترضى عني. هنا أخبره تعالى بما حدث لقومه فقال عزوجل : (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) أي بصنع العجل لهم ودعوتهم إلى عبادته بحجة انه الرب تعالى وأن موسى لم يهتد إليه. ولما انتهت المناجاة وأعطى الله تعالى موسى الألواح التي فيه التوراة (فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً) أي حزينا إلى قومه فقال لهم بما أخبر تعالى عنه بقوله : (قالَ يا قَوْمِ (٢) أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً) فذكرهم بوعد الله تعالى لهم بإنجائهم من آل فرعون وإكرامهم بالملك والسيادة موبخا لهم على خطيئتهم بتخلفهم عن السير وراءه وانشغالهم بعبادة العجل والخلافات الشديدة بينهم ، وقوله (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ (٣) الْعَهْدُ) أي لم يطل فالمدة هي ثلاثون يوما فلم تكتمل حتى فتنتم وعبدتم غير الله تعالى ، قوله (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ (٤) يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي بل أردتم بصنيعكم الفاسد أن يجب عليكم غضب من ربكم فحل بكم ، (فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) (٥) بعكوفكم على عبادة العجل وترككم السير على أثرى لحضور موعد الرب تعالى الذي واعدكم.
وقوله تعالى (قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) هذا ما قاله قوم موسى كالمعتذرين به إليه فزعموا أنهم ما قدروا على عدم اخلاف الموعد لغلبة الهوى عليهم فلم يطيقوا السير وراءه مع وجود العجل وما ضللهم به السامري من أنه هو إلههم وأن موسى أخطأ الطريق إليه. هذا معنى قولهم : (ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) أي بأمرنا وقدرتنا إذ كنا مغلوبين على أمرنا.
وقولهم : (وَلكِنَّا حُمِّلْنا (٦) أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها) هذا بيان لوجه الفتنة وسببها وهي أنهم لما كانوا خارجين من مصر استعار نساؤهم حليا من نساء القبط بدعوى عيد لهم ،
__________________
(١) (أَثَرِي) ، وإثري : لغتان ، والأثر : ما يتركه الماشي على الأرض من علامات قدم أو حافر أو خف ، والمعنى : هم سائرون على مواضع أقدامي وقرىء (إثري) بكسر الهمزة والجمهور قرؤا بالفتح.
(٢) هذا ابتداء كلام يحمل اللوم والعتاب والتأديب حيث جمع موسى بني اسرائيل وفيهم هارون وخاطبهم قائلا : يا قوم ... الخ.
(٣) الاستفهام تابع للاستفهام الأول : ألم يعدكم ، وهو للتقرير والإنكار معا.
(٤) (أَمْ) بمعنى : بل والاستفهام بعدها إنكاري أي : أنكر عليهم إرادتهم حلول غضب الله عليهم بسبب شركهم بعبادة العجل.
(٥) المراد من موعده إياهم : هو ما عهد به إليهم بأن يلزموا طاعة هارون ويسيروا معه بدون تأخّر حتى يلحقوا به في جبل الطور فأخلفوا ذلك فعصوا هارون وعكفوا على عبادة العجل وتركوا السير على إثره كما طلب منهم.
(٦) الأوزار : جمع وزر ، وهو الحمل الثقيل والمراد بها : الحلي الذي استعاره نساؤهم من جاراتهن القبطيات بمصر بقصد الفرار به للنفع الخاص ، وخافوا تلاشي الحلي فرأوا أن يصوغوه في قطع كبيرة يحفظ بها من الضياع.