أخرى فقال تعالى : (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ) أي أرينا فرعون (آياتِنا كُلَّها) أي أدلتنا وحججنا (١) على أن موسى وهارون رسولان من قبلنا أرسلناهما إليه ، فكذب برسالتهما وأبى الاعتراف بهما ، وقال ما أخبر تعالى به عنه : (قالَ أَجِئْتَنا) (٢) أي يا موسى (لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا) أي منازلنا وديارنا ومملكتنا (بِسِحْرِكَ) الذي انقلبت به عصاك حية تسعى ، (فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ ، فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً) نتقابل فيه ، (لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً) (٣) عدلا بيننا وبينك يكون من الاعتدال والاتساع بحيث كل من ينظر إليه يرى ما يجرى فيه من المباراة بيننا وبينك. فأجاب موسى بما أخبر تعالى به عنه فقال : (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) وهو يوم عيد للأقباط يتجملون فيه ويقعدون عن العمل ، (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) (٤) أي في يوم يجمع فيه الناس ضحى للتفرج في المباراة من كل أنحاء المملكة وهنا (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ) بمعنى انصرف من مجلس المحاورة وكله كبر وعناد فجمع قواته من السحرة لإنفاذ كيده في موسى وهارون. وفي الآيات التالية تظهر الحقيقة.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ بيان كبر فرعون وصلفه وطغيانه.
٢ ـ للسحر آثار وله مدارس يتعلم فيها ورجال يحذقونه ويعلمونه.
٣ ـ مشروعية المبارزة والمباراة لإظهار الحق وإبطال الباطل.
٤ ـ مشروعية اختيار المكان والزمان اللائق للقتال والمباراة ونحوهما.
(قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ
__________________
(١) أي : الدالة على وجود الله تعالى ووجوب ألوهيته وعلى صحة نبوّة موسى وهارون.
(٢) لما رأى الآيات وبهرته احتال في دفعها اللعين بدعواه انّ موسى جاء ليخرج فرعون وقومه من بلادهم ليستقل بها دونهم ، وهذا من الكذب السياسي الممقوت.
(٣) قرأ حفص (سُوىً) كطوى بضم السين ، وقرأ نافع سوى بكسرها كطوى ، والكسر أفصح. أي : وسطا في المدينة لا يشق على من يأتيه.
(٤) اختار موسى اليوم والساعة ، وهي : الضحى لعلمه أنه سيغلب السحرة وينهزمون أمامه ، فأحب أن يكون الوقت مناسبا بكثرة المتفرّجين ووضوح الرؤية لهم في شباب النهار (الضحى)