تعالى تتميما لكلام موسى وتذكيرا لأهل مكة المتجاهلين لله وحقه في التوحيد. وقوله : (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ) أي مما ذكرنا لكم من أزواج النبات وارعوا إبلكم واغنامكم وسائر بهائمكم واشكروا لنا هذا الإنعام بعبادتنا وترك عبادة غيرنا. وقوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) أي إن في ذلك المذكور من إنزال المطر وإنبات النبات لتغذية الإنسان والحيوان لدلالات على قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته وانه بذلك مستحق للعبادة دون سواه إلا أن هذه الدلائل لا يعقلها إلا اصحاب العقول وذوو النهى فهم الذي يستدلون بها علم معرفة الله ووجوب عبادته وترك عبادة غيره. وقوله تعالى : (مِنْها) أي من الأرض التي فيها حياة النبات والحيوان خلقناكم أي بخلق أصلكم الأول وهو آدم ، وفيها نعيدكم بالموت فتقبرون فيها ، (وَمِنْها (١) نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) (٢) أي مرة أخرى وذلك يوم القيامة إذ نبعثكم من قبوركم أحياء للحساب والجزاء بالنعيم المقيم أو العذاب المهين بحسب صفات نفوسكم فذو النفس الطاهرة ينعم وذو النفس الخبيثة من الشرك والمعاصي يعذب.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ تعين إجابة السائل ولتكن بالعلم الصحيح النافع.
٢ ـ تقرير مبدأ من حسن (٣) إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
٣ ـ تنزه الرب تعالى عن الخطأ والنسيان.
٤ ـ الاستدلال بالآيات الكونية على الخالق عزوجل وقدرته وألوهيته.
٥ ـ احترام العقول وتقديرها لأنها تعقل (٤) صاحبها دون الباطل والشر.
٦ ـ تسمية العقل نهية لأنه ينهى صاحبه عن القبائح.
__________________
(١) بمناسبة ذكر دلائل وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته الموجبة لألوهيته دون سواه ذكّرهم بعقيدة البعث والجزاء مستدلّا عليها بقدرة الله تعالى وعلمه.
(٢) تجمع التارة على تارات كالمرة على المرّات ، والتارة : اسم جامد غير مشتق.
(٣) هذا حديث الصحيح : (من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه).
(٤) تعقل : أي : تحجزه أو تصرفه عما يضرّ حالا أو مآلا.