تعالى (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ (١) ما تَفْعَلُونَ) فيه وعيد شديد لمن ينقض أيمانه بعد توكيدها. وقوله تعالى (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها) ، وهي امرأة بمكة (٢) حمقاء تغزل ثم تنكث (٣) غزلها وتفسده بعد إبرامه وإحكامه فنهى الله تعالى المؤمنين أن ينقضوا أيمانهم بعد توكيدها فتكون حالهم كحال هذه الحمقاء. وقوله تعالى : (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) أي إفسادا وخديعة كأن تحالفوا جماعة وتعاهدوها ، ثم تنقضون عهدكم وتحلون ما أبرمتم من عهد وميثاق وتعاهدون جماعة أخرى لأنها أقوى وتنتفعون بها أكثر. هذا معنى قوله تعالى (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) أي جماعة أكثر من جماعة رجالا وسلاحا أو مالا ومنافع. وقوله تعالى : (إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ) أي يختبركم فتعرض لكم هذه الأحوال وتجدون أنفسكم تميل إليها ، ثم تذكرون نهي ربكم عن نقض الأيمان والعهود فتتركوا ذلك طاعة لربكم أولا تفعلوا إيثارا للدنيا عن الآخرة ، (وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) ثم يحكم بينكم ويجزيكم ، المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته .. وقوله تعالى (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) على التوحيد والهداية لفعل .. ولكن اقتضت حكمته العالية أن يهدي من يشاء هدايته لأنه رغب فيها وطلبها ، ويضل من يشاء إضلاله لأنه رغب في الضلال وطلبه وأصر عليه بعد النهي عنه. وقوله تعالى : (لَتُسْئَلُنَ) أي (٤) سؤال توبيخ وتأنيب (عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من سوء وباطل ، ولازم ذلك الجزاء العادل من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا بمثلها وهم لا يظلمون.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ بيان أجمع آية للخير والشر في القرآن وهي آية (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ..) الآية (٩٠).
٢ ـ وجوب العدل والإحسان وإعطاء ذوي القربى حقوقهم الواجبة من البر والصلة.
__________________
(١) هذه الجملة ذكرت علّة لتحريم نقض العهد فهي تحمل وعيدا شديدا وتهديدا كبيرا لمن ينقض العهد.
(٢) يقال لها ريطة بنت عمر وكانت تغزل طول النهار ، وفي المساء إذا غضبت لحمقها تحلّ ما أبرمته من غزلها ، فنهى الله تعالى المؤمنين أن يكونوا كهذه الحمقاء فيحلون ما يبرمون من عقود وعهود.
(٣) النكث والجمع أنكاث : وهو النقض والحل بعد الإبرام.
(٤) اللام دالة على قسم محذوف نحو : (تَاللهِ لَتُسْئَلُنَ).