وتترك عبادة غيره لأن غيره لم يخلق ولم يرزق ولم ينعم بشيء. ولذا فسر هذا اللفظ بلا إله إلا الله ، (وَالْإِحْسانِ) (١) وهو أداء الفرائض واجتناب المحرمات مع مراقبة الله تعالى في ذلك حتى يكون الأداء على الوجه المطلوب إتقانا وجودة والإجتناب خوفا من الله حياء منه ، وقوله (وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) أي ذوي القرابات حقوقهم من البر والصلة. هذا مما أمر الله تعالى به في كتابه ، ومما ينهى عنه الفحشاء وهو الزنا واللواط وكل قبيح اشتد قبحه وفحش حتى البخل (وَالْمُنْكَرِ) وهو كل ما أنكر الشرع وانكرته الفطر السليمة والعقول الراجحة السديدة ، وينهى عن البغي (٢) وهو الظلم والاعتداء ومجاوزة الحد في الأمور كلها ، وقوله (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي أمر بهذا في كتابه رجاء أن تذكروا فتتعظوا فتمتثلوا الأمر وتجتنبوا النهي. وبذلك تكملون وتسعدون. ولذا ورد أن هذه الآية : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ (٣) وَالْإِحْسانِ) (٤) إلى (تَذَكَّرُونَ) هي أجمع آية في كتاب الله للخير والشر. وهي كذلك فما من خير إلا وأمرت به ولا من شر إلا ونهت عنه. وقوله تعالى (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين بالوفاء بالعهود فعلى كل مؤمن بايع إماما أو عاهد أحدا على شيء أن يفي له بالعهد ولا ينقضه. «إذ لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له» كما في الحديث الشريف .. وقوله تعالى (وَلا تَنْقُضُوا (٥) الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) الأيمان جمع يمين وهو الحلف بالله وتوكيدها تغليظها بالألفاظ الزائدة (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) أي وكيلا ، أي أثناء حلفكم به تعالى ، فقد جعلتموه وكيلا ، فهذه الآية حرمت نقض الأيمان وهو نكثها وعدم الإلتزام بها بالحنث فيها لمصالح مادية (٦). وقوله
__________________
(١) الإحسان مصدر أحسن إحسانا وهو متعدّ بنفسه نحو : أحسنت كذا إذا أتقنته وحسّنته وجوّدته ، ومتعدّ بحرف الجرّ نحو : احسنت إلى فلان أي أوصلت إليه ما ينفعه أو دفعت عنه ما يضرّه ، وكلا المعنيين مراد في الآية وما في حديث جبريل يتناول الأول لأن من راقب الله تعالى أتقن عمله وحسنه.
(٢) ورد في البغي : لا ذنب أسرع عقوبة من البغي ، واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب ، والباغي مصروع وقد وعد الله من بغي عليه بالنصر فى قوله : (وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ).
(٣) قال ابن مسعود رضي الله عنه : هذه الآية : أجمع آية في القرآن لخير يمتثل ولشرّ يجتنب.
(٤) روي أنّ جماعة رفعت شكوى بعاملها إلى أبي جعفر المنصور فحاجّها العامل فغلبها حيث لم يثبتوا عليه كبير ظلم ولا جور في شيء ، فقام فتى منهم وقال يا أمير المؤمنين : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) وإنّه عدل ولم يحسن فعجب أبو جعفر المنصور من إصابته ، وعزل العامل.
(٥) هذا في الأيمان المؤكد بها الحلف في الجاهلية لقول الرسول صلىاللهعليهوسلم في حديث مسلم (لا حلف في الإسلام وأيّما حلف كان في الجاهلية فإنه لا يزيده الإسلام إلّا شدة وأبطل صلىاللهعليهوسلم الحلف في الإسلام ، لأن الإسلام جاء بنصرة المظلوم وأخذ الحق له من الظالم كما هو مبيّن في شريعته.
(٦) أمّا إذا حلف العبد يمينا فرأى غيرها خيرا منها فإنه ينقض يمينه ويكفر كفّارة يمين لقوله صلىاللهعليهوسلم : (إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلّا أتيت الذي هو خير وكفّرت عن يميني).