إلى ربهم. هلكوا كافرين ليس لهم إلا النار (وَحَبِطَ ما صَنَعُوا) (١) في هذه الدار من أعمال وبطل ما كانوا يعملون.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (١٥ والثانية ١٦) وهو قوله تعالى (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ ، أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) وقوله تعالى في الآية الثالثة (١٧) (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) (٢) بما أوحى إليه من القرآن وما حواه من الأدلة والبراهين على توحيد الله ونبوة رسوله ، وعلى المعاد الآخر ، وقوله (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) أي ويتبع ذلك الدليل دليل آخر وهو لسان الصدق الذي ينطق به وكمالاته الخلقيّة والروحية حيث نظر إليه اعرابي فقال والله ما هو بوجه كذّاب ، ودليل ثالث في قوله (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى) أي التوراة (إِماماً وَرَحْمَةً) شاهد له حيث حمل نعوت الرسول وصفاته ونعوت أمته وصفاتها في غير موضع منه أفمن هو على هذه البينات والدلائل والبراهين من صحة دينه ، كمن لا دليل له ولا برهان إلا التقليد للضلال والمشركين ، وقوله (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي أولئك الذين ثبتت لديهم تلك البيّنات والحجج والبراهين (يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي بالقرآن الحق والنبي الحق والدين الحق. وقوله تعالى (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ) أي بالقرآن ونبيه ودينه من الأحزاب (٣) أي من سائر الطوائف والأمم والشعوب فالنار موعده ، وحسبه جهنم وبئس المصير. (٤)
وقوله تعالى (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) (٥) أي فلا تك في شك منه أي في أن موعد من يكفر به من الأحزاب النار. وقوله (إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) أي (٦) القرآن الذي كذّب به المكذبون وما تضمنه من الوعد والوعيد ، والدين الحق كل ذلك هو الحق الثابت من ربك ، إلا أن (أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) (٧) وإن ظهرت الأدلة ولاحت الأعلام وقويت البراهين.
__________________
(١) أعمال الكفار في الدنيا خيرية كانت أو دنيوية تذهب في الدار الآخرة هباء كقوله تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً).
(٢) اختلف في عود الضمائر في هذه الآية اختلافا كثيرا ، وقد اخترنا في التفسير عودها إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ولا مانع من عودها على كل مؤمن صادق الإيمان ، بقرينة الخبر وهو قوله : (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) وهم الفريق الذين أسلموا لمّا شاهدوا الحجج والبراهين.
(٣) أظهرهم : المشركون واليهود ، والنصارى والصابئة والمجوس.
(٤) لأنهم لم يزكّوا أنفسهم بالإيمان والعمل الصالح فلذا فلا مأوى لهم إلّا النّار.
(٥) الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ولكل مؤمن أي : لا يشكنّ مؤمن في أن القرآن حق وأنّ ما أخبر به عن الكافرين من أنّ مأواهم النار حق.
(٦) جملة : (إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) مستأنفة مؤكدة لجملة : (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ).
(٧) لما سبق في علم الله وما قضى به قوله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).