(وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ) أي في شأن التوحيد وآلهتهم (يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا (١) إِنْ هذا) أي ما هذا (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ، أمليت عليك أو طلبت كتابتها فأنت تقصها ، وليس لك من نبوة ولا وحي ولا رسالة. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٢٥) أما باقي الآيات فإن الثانية (٢٦) تضمنت إخبار الله تعالى عنهم بأنهم ينهون الناس عن الإيمان بالنبي وبما جاء به وعن متابعته والدخول في دينه ، وينأون هم بأنفسهم أي يبعدون عنه فلا إيمان ولا متابعة. وهذه شر الصفات يصفهم الله تعالى بها وهي البعد عن الحق والخير ، وأمر الناس بالبعد عنهما ونهيهم عن قربهما ولذا قال تعالى : (وَإِنْ يُهْلِكُونَ (٢) إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) بهذا الموقف الشائن المعادى للرسول والتوحيد ، وما يشعرون بذلك إذ لو شعروا لكفوا ، والذي أفقدهم الشعور هو حب الباطل والشر الذي حملهم على عداوة الرسول وما جاء به من عبادة الله وتوحيده وها هم أولا قد حشروا في جهنم ، والله تعالى يقول للرسول : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا (٣) عَلَى النَّارِ) ولا بد لهم من دخولها والاصطلاء بحرها والاحتراق بلهبها ، فقالوا وهم في وسطها (يا لَيْتَنا نُرَدُّ) إلى الحياة الدنيا (وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا ، وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، وما هم والله بصادقين وإنما هي تمنيات حمل عليها الإشفاق من العذاب والخوف من نار جهنم ، والفضيحة حين ظهر لهم (٤) ما كانوا يخفون في الدنيا من جرائم وفواحش وهم يغشونها الليل والنهار قال تعالى وهو العليم الخبير : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) ، وصدق الله لو ردوا لعادوا وفي الآية الأخيرة (٢٩) يسجل الله تعالى عليهم سبب بلائهم ومحنتهم ، وإقدامهم في تلك الجرأة الغريبة على الشرك ومحاربة التوحيد ، ومحاربة الموحدين بالضرب والقتل والتعذيب إنه كفرهم بالبعث والجزاء إذ قالوا ما أخبر تعالى به عنهم : (إِنْ هِيَ إِلَّا (٥) حَياتُنَا الدُّنْيا ، وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ).
__________________
(١) قال ابن عباس : قالوا للنضر بن الحارث ما يقول محمد؟ قال : أرى تحريك شفتيه وما يقول إلّا أساطير الأوّلين مثل ما أحدّثكم أنا عن القرون الماضية إذ كان النضر صاحب قصص سمعها من ديار العجم إذ كان سافر إليها للتجارة ، والأساطير : جمع أسطار وأسطورة نحو : أحاديث وأحدوثة ومعنى الأساطير : ما كتب وسطّر من أخبار الأولين وهو ترّهاتهم وأباطيلهم.
(٢) (وَإِنْ يُهْلِكُونَ) أي : ما يهلكون فإن بمعنى : ما النافية.
(٣) أي : وهم على الصراط وهي تحتهم أو وقفوا بقربها وهم يعاينونها ، وجواب لو محذوف تقديره : لرأيت منظرا هائلا ونحوه.
(٤) قوله تعالى (بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ) أي في دار الدنيا من الكفر والتكذيب والعناد وجائز أن يكون ظهر لهم صدق ما كانوا يعلمون أنّه حق من أمر الدين والتوحيد ولكن يخفونه في أنفسهم حتى لا يعلم ذلك إخوانهم في الكفر واتباعهم في الشرك.
(٥) هذا سبب شقائهم هو إنكارهم للبعث والجزاء ومغالطة أنفسهم بأنه لا حياة إلّا الحياة الدنيا.