صفحاته المطوية عن مواقف مشابهة للعديد من الشخصيات المعروفة التي حصرت فوق المنابر فلم تنبس بشفة ، أو لم تتمكَّن من تركيب جملة مفيدة واحدة.
نعم لقد فوجئ الشَّيخ رحمه الله تعالى بهذا الطلب المتعجِّل ، بيد أنَّه وأمام الحاح مضيفيه لم يجد بداً من الامتثال لرجائهم ، والاستجابة لرغبتهم بما عُرف عنه من أخلاق رفيعة وأدب جم ، فارتقى المنبر ـ أمام أعين الحاضرين التي شخصت نحوه ، وتعلَّقت به ، وأصاخت لكلماته بسمعها ـ بسكينة ووقار ، وافتتح خطبته بقوله تعالى ( سُبحان الَّذي أسرى بعَبْدِهِ لَيلاً مِنَ المَسْجِدِ الحَرام إلى المَسْجِدِ الأقصى الذي باركنا حَوَلهُ ) (١) واسترسل في الحديث حول تلكَ البركة وأنواعها بشرح وافٍ ، بيان ساحر ، مشيراً إلى أنَّ انعقاد مثل هذا المؤتمر هو شكل من أشكال تلك البركة بقوله : ومنها هذا الاجتماع الخطير من الجم الغفير ، من مختلف الأقطار النائية ، والذي لم يخطر على البال ، ولم يقع في التصوُّر ، واستوفى ما هو الغرض منه ، وما الهدف الذي يرمي اليه ، والآثار المترتِّبة عليه ... إلى آخره.
وبعد أنْ أنهى خطبته ـ التي سحرت المستمعين بحلاوة ألفاظها ، وسلاسة عباراتها ، وجزالة كلماتها ـ طلبت منه لجنة المؤتمر وأكابر الموجودين أنْ يأتموا به في صلاة العشاء حيث صوِّب ذلك بالأكثرية ، فاستجاب لهم ، واقتدت به الالوف من الصفوف في حدث عظيم قلَّ نظيره.
كما أنَّ للشِّيخ كاشف الغطاء في أيام انعقاد المؤتمر مشاركات واسعة ، وخطب بليغة ، ولقاءات متعددة تركت في أذهان الجميع ذكريات
__________________
(١) الاسراء ١٧ : ١.