.......................................................
__________________
والتوحيد.
ولعلَّ الأقرب للصواب في تحديد العلة الأساسية في تحليل ظاهرة التسرُّب يتأتى في دراسة الظروف المادية والنفسية التي رافقت نشوء هذه الظاهرة ، وهذه العملية بلا شك تتطلّب دراسة مستفيضة ومتخصصة لا يسعنا هنا الخوض في غمارها ، إلّا أنَّ ما ذكره ابن خلدون في مقدمته يلقي شيئاً من التوضيح على هذا الأمر ، حيث قال : أنَّ العلة الأساسية تكمن في كون العرب آنذاك لم يكونوا أهل كتاب ، ولا علم ، وأنَّما غلبت عليهم البداوة والأُمَيّة ، وإذا تشوَفوا إلى معرفة شيء مما تتشوَّف اليه النفوس البشرية في أسباب المكنونات ، وبدء الخليقة ، وأسرار الوجود ، فانما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ، ويستفيدونه منهم ، وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى مثل؟ كعب الأحبار ، ووهب بن منبه ، وعبدالله بن سلام.
بلى لقد كان ذلك الأمر ما يمكن اعتبار الطرف الأوّل في تلك الظاهرة محل البحث ، وأمّا الطرف الأخر منها فيكمن بالجمود على الفهم السطحي المبتور لجملة تلك الآيات القرآنية أو الأخبار المختلفة ، والتي تختلف بشكل بيِّن مع الأُصول العقائدية الاسلامية التي تحاول جاهدة الانتماء اليها ، كما في حالة تفسير قوله تعالى : ( وجُوهٌ يَومَئذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبِّها ناظرَة ) ، وقوله تعالى : ( كلُّ مَنْ عَلَيها فانٌ وَيَبقى وَجهُ رَبِّكَ ذو الجَلالِ وَالاكرامِ ) ، وقوله جلَّ اسمه : ( وَقالَتِ اليَهودُ يَدُ الله مغلُولَة غُلَّتْ أيديهِم وَلُعِنوا بِما قالُوا بَل يَداهُ مَبسَوطَتانِ ) وغيرها.
أقول : ثم إنَّ ما تولَّد من ذلك الفهم السلبي واُسمي بالتشبيه والتجسيم لا يمكن اعتباره بانَّه يشكَّل ظاهرة جديدة طفحت على الساحة العقائدية لأتباع بعض المدارس الاسلامية ، بل يبدو من الواضح للعيان تشكِّل جوانب منها لدى الأُمم السالفة ، كما في تشبيه النصارى المسيح عليهالسلام بالله تبارك وتعالى ، وإنْ كان الشهرستاني يقول في ملله (١ : ٩٣) : بأنَّ التشبيه كان صرفاً خالصاً في اليهود ـ لا في كلِّهم بل في القرّائين منهم ـ إذ وجد في التوراة الفاظاً كثيرة تدل على ذلك ...
وأضاف في موضع آخر (١ : ٠٦ ١) عند حديثه عن بعض أخبار التشبيه التي تداولها جماعة من أهل الحديث ( وهو ما أردنا الاشارة اليه ) : وزادوا في الأخبار أكاذيب وضعوها ونسبوها الى النبي صلىاللهعليهوآله ، وأكثرها مقتبسة من اليهود ، فإنَّ التشبيه فيهم طباع ، حتى قالوا : اشتكت عيناه فعادته الملائكة!! وبكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه!! وأنَّ العرش ليئط من تحته كأطيط الرحل الحديد!! انتهى.
وأخيراً فإنَّ استعراض ومناقشة جملة تلك الأخبار والروايات المختلفة التي أشرنا اليها يدل