محكمة ومدروسة ـ يأجِّجوا نار الاختلاف ، ويوسِّعوا الهوَّة بين الأُخوة الاشقاء ، بل ولم يتورَّعوا عن الكذب والافتراء ، والتحريف والتشويه ، وقلب الحقائق وتزييفها كما اسلفنا.
لقد كانت حقيقة هذا الاختلاف تتلخَّص في تشبُّث طرف واصراره على أنَّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قد نصَّ على خلافة علي عليهالسلام من بعده ، وتعضدهم في مقولتهم هذه جملة قوية من الأدلَّة النقلية والعقلية الثابتة ، وهم الشيعة ، حين يصر الطرف الاخر على نفي هذا الأمر ، ويذهب الى القول بأنَّ رسول الله صلىاللهعليهوآله ترك الأُمَّة دون أنْ ينصِّب عليها خليفة له من بعده ، وكان على هذه الأُمَّة أنْ تتولى بنفسها تدبير اُمورها ، وتنصيب خليفة عليها ـ رغم ما يحيطها من ظروف عسرة وشديدة التعقيد ـ وهو مذهب أبناء العامَّة من الفرق الاسلامية غير الشِّيعة ، فكأنَّه صلىاللهعليهوآله ـ وبناء على هذا التصوُّر ـ قد ترك هذه الأمَّة الغضة الأطراف دون راع يقودها في هذا التيه العظيم ، والبحر اللجي المتلاطم الامواج!! وذلك ما كانت ولا زالت تعارضهم فيه الشِّيعة أشد المعارضة.
نعم لقد كان هذا هو الأمر الذي انسحبت ظلاله على مسيرة هذه الأُمة ابتداء من تلك اللحظات الحساسة ـ التي شهدت انعقاد مؤتمر السقيفة ـ وحتى يومنا هذا ، وكانت من نتائجه المرة ما ترتبت عليه من تفسيرات متباينة لجملة العقائد التي يؤمن بها الجميع ـ والتي ينبغي ان لا يختلف الطرفان فيها ـ نتيجة تعدُّد المدارس الكلامية التي تحاول كلُّ واحدة منها جاهدة انْ تدلي بدلوها في هذا المعترك العقائدي المهم ، بعيداً ـ عن منهله العذب المنبعث عن بيت العصمة ومهبط الوحي.
فاذا كان الطرفان لا يختلفان قطعاً في عقائدهم الاساسية وهي : الايمان بالله تبارك وتعالى ، وكتبه المنزلة ، وجميع انبيائه ورسله عليهم