بعد قتله (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) (١).
قال ابن جرير (٢) : والأول أصح ، لأن الرسالة لا تسمى جندا. قال المفسرون. بعث الله تعالى إليهم جبريل عليه الصلاة والسلام ، فأخذ بعضادتي باب بلدهم ، ثم صاح بهم صيحة واحدة ، فإذا هم خامدون عن آخرهم لم تبق بهم روح تتردد في جسد وقد تقدم عن كثير من السلف أن هذه القرية هي أنطاكية ، وأن هؤلاء الثلاثة كانوا رسلا من عند المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام ، كما نص عليه قتادة وغيره ، وهو الذي لم يذكر عن واحد من متأخري المفسرين غيره ، وفي ذلك نظر من وجوه :
[أحدها] أن ظاهر القصة يدل على أن هؤلاء كانوا رسل الله عزوجل ، لا من جهة المسيحعليهالسلام كما قال تعالى : (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ـ إلى أن قالوا ـ رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [يس : ١٤ ـ ١٧] ولو كان هؤلاء من الحواريين لقالوا عبارة تناسب أنهم من عند المسيح عليهالسلام. والله تعالى أعلم ، ثم لو كانوا رسل المسيح لما قالوا لهم (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا).
[الثاني] أن أهل أنطاكية آمنوا برسل المسيح إليهم ، وكانوا أول مدينة آمنت بالمسيح ، ولهذا كانت عند النصارى إحدى المدائن الأربعة اللاتي فيهن بتاركة ، وهن : القدس لأنها بلد المسيح ، وأنطاكية لأنها أول بلدة آمنت بالمسيح عن آخر أهلها ، والإسكندرية لأن فيها اصطلحوا على اتخاذ البتاركة والمطارنة والأساقفة والقساوسة والشمامسة والرهابين ، ثم رومية لأنها مدنية الملك قسطنطين الذي نصر دينهم وأوطده ، ولما ابتنى القسطنطينية نقلوا البترك من رومية إليها ، كما ذكره غير واحد ممن ذكر تواريخهم ، كسعيد بن بطريق وغيره من أهل الكتاب والمسلمين ، فإذا تقرر أن أنطاكية أول مدينة آمنت ، فأهل هذه القرية ذكر الله تعالى أنهم كذبوا رسله وأنه أهلكهم بصيحة واحدة أخمدتهم ، والله أعلم.
[الثالث] أن قصة أنطاكية مع الحواريين أصحاب المسيح بعد نزول التوراة ، وقد ذكر أبو سعيد الخدري رضي الله عنه وغير واحد من السلف أن الله تبارك وتعالى بعد إنزاله التوراة لم يهلك أمة من الأمم عن آخرهم بعذاب يبعثه عليهم ، بل أمر المؤمنين بعد ذلك بقتال المشركين ، ذكروه عند قوله تبارك وتعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى) [القصص : ٤٣] فعلى هذا يتعين أن هذه القرية المذكورة في القرآن قرية أخرى غير أنطاكية ، كما أطلق ذلك غير واحد من السلف أيضا. أو تكون أنطاكية إن كان لفظها محفوظا في هذه القصة مدينة أخرى غير هذه المشهورة المعروفة ، فإن هذه لم يعرف أنها أهلكت لا في
__________________
(١) تفسير الطبري ١٠ / ٤٣٧.
(٢) تفسير الطبري ١٠ / ٤٣٧.