وقوله (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وقال قتادة : مثله أنه لا إله إلا هو ولا رب غيره ، وقال مثل هذا ابن جرير ، وقد أنشد بعض المفسرين عند ذكر هذه الآية لبعض أهل المعارف :
إذا سكن الغدير على صفاء |
|
وجنب أن يحركه النسيم |
ترى فيه السماء بلا امتراء |
|
كذاك الشمس تبدو والنجوم |
كذاك قلوب أرباب التجلي |
|
يرى في صفوها الله العظيم |
وهو العزيز الذي لا يغالب ولا يمانع بل قد غلب كل شيء ، وقهر كل شيء بقدرته وسلطانه ، الحكيم في أقواله وأفعاله شرعا وقدرا ، وعن مالك في تفسيره المروي عنه عن محمد بن المنكدر في قوله تعالى : (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى) قال : لا إله إلا الله.
(ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٢٩)
هذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين به ، العابدين معه غيره ، الجاعلين له شركاء وهم مع ذلك معترفون أن شركاءه من الأصنام والأنداد عبيد له ، ملك له ، كما كانوا في تلبيتهم يقولون :
لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك. فقال تعالى : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) أي تشهدونه وتفهمونه من أنفسكم (هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ) أي يرتضي أحدكم أن يكون عبده شريكا له في ماله فهو وهو فيه على السواء (تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) أي تخافون أن يقاسموكم الأموال.
قال أبو مجلز : إن مملوكك لا تخاف أن يقاسمك مالك ، وليس له ذاك ، كذلك الله لا شريك له ، والمعنى إن أحدكم يأنف من ذلك ، فكيف تجعلون لله الأنداد من خلقه؟ وهذا كقوله تعالى : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ) [النحل : ٦٣] أي من البنات حيث جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ، وجعلوها بنات الله ، وقد كان أحدهم إذا بشر بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم ، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون ، أم يدسه في التراب؟ فهم يأنفون من البنات ، وجعلوا الملائكة بنات الله ، فنسبوا إليه ما لا يرتضونه لأنفسهم ، فهذا أغلظ الكفر ، وهكذا في هذا المقام جعلوا له شركاء من عبيده وخلقه ، وأحدهم يأبى غاية الإباء ويأنف غاية الأنفة من ذلك ، أن يكون عبده شريكه في ماله يساويه فيه ولو شاء لقاسمه عليه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
قال الطبراني : حدثنا محمود بن الفرج الأصفهاني ، حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي ، حدثنا حماد بن شعيب عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان يلبي