قال : كنا عند مروان وفينا زيد ، فقال زيد بن ثابت : كنا نقرأ : «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة» ، قال مروان : ألا كتبتها في المصحف؟ قال : ذكرنا ذلك وفينا عمر بن الخطاب ، فقال : أنا أشفيكم من ذلك ، قال : قلنا فكيف؟ قال جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم قال : فذكر كذا وكذا وذكر الرجم ، فقال : يا رسول الله اكتب لي آية الرجم ، قال «لا أستطيع الآن» هذا أو نحو ذلك. وقد رواه النسائي من حديث محمد بن المثنى عن غندر عن شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير عن كثير بن الصلت عن زيد بن ثابت به ، وهذه طرق كلها متعددة ودالة على أن آية الرجم كانت مكتوبة فنسخ تلاوتها وبقي حكمها معمولا به ، والله أعلم.
وقد أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم برجم هذه المرأة وهي زوجة الرجل الذي استأجر الأجير لما زنت مع الأجير ، ورجم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ماعزا والغامدية ، وكل هؤلاء لم ينقل عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنهم جلدهم قبل الرجم ، وإنما وردت الأحاديث الصحاح المتعددة الطرق والألفاظ بالاقتصار على رجمهم وليس فيها ذكر الجلد ، ولهذا كان هذا مذهب جمهور العلماء ، وإليه ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي رحمهمالله ، وذهب الإمام أحمد رحمهالله إلى أنه يجب أن يجمع على الزاني المحصن بين الجلد للآية ، والرجم للسنة.
كما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه لما أتى بشراحة ، وكانت قد زنت وهي محصنة ، فجلدها يوم الخميس ، ورجمها يوم الجمعة ، فقال : جلدتها بكتاب الله ، ورجمتها بسنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وقد روى الإمام أحمد وأهل السنن الأربعة ومسلم من حديث قتادة عن الحسن عن حطّان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم»(١).
وقوله تعالى : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) أي في حكم الله ، أي لا ترجموهما وترأفوا بهما في شرع الله ، وليس المنهي عنه الرأفة الطبيعية على إقامة الحد ، وإنما هي الرأفة التي تحمل الحاكم على ترك الحد فلا يجوز ذلك. قال مجاهد (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) قال : إقامة الحدود إذا رفعت إلى السلطان فتقام ولا تعطل ، وكذا روي عن سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح. وقد جاء في الحديث «تعافوا الحدود فيما بينكم ، فما بلغني من حد فقد وجب»(٢)، وفي الحديث الآخر «لحد يقام في الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين
__________________
(١) أخرجه مسلم في الحدود حديث ٢٥ ، وأبو داود في الحدود باب ٢٥ ، والترمذي في الحدود باب ٨ ، والنسائي في القضاة باب ٢٢ ، وابن ماجة في الحدود باب ٧ ، والدارمي في الحدود باب ١٢ ، ومالك في الحدود حديث ٦ ، وأحمد في المسند ٥ / ٣١٧.
(٢) أخرجه أبو داود في الحدود باب ٦ ، والنسائي في السارق باب ٥.