قال الإمام أحمد (١) : حدثنا يزيد ، أخبرنا محمد بن عمرو عن أبيه عن جده علقمة بن وقاص قال : أخبرتني عائشة رضي الله عنها قالت : خرجت يوم الخندق أقفوا الناس فسمعت وئيد الأرض ورائي ، فإذا أنا بسعد بن معاذ رضي الله عنه ، ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنة ، قالت : فجلست إلى الأرض ، فمر سعد رضي الله عنه وعليه درع من حديد قد خرجت منه أطرافه ، فأنا أتخوف على أطراف سعد ، قالت وكان سعد رضي الله عنه من أعظم الناس وأطولهم ، فمر وهو يرتجز ويقول [رجز] :
لبّث قليلا يشهد الهيجا حمل |
|
ما أحسن الموت إذا حان الأجل (٢) |
قالت : فقمت فاقتحمت حديقة ، فإذا فيها نفر من المسلمين ، وإذا فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفهيم رجل عليه تسبغة له ، تعني المغفر ، فقال عمر رضي الله عنه : ما جاء بك؟ لعمري والله إنك لجريئة ، وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحوز؟ قالت : فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت بي ساعتئذ ، فدخلت فيها ، فرفع الرجل التسبغة عن وجهه ، فإذا هو طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه ، فقال : يا عمر ويحك إنك قد أكثرت منذ اليوم ، وأين التحوز أو الفرار إلا إلى الله تعالى؟
قالت : ورمى سعدا رضي الله عنه رجل من قريش يقال له ابن العرقة بسهم له ، وقال له : خذها وأنا ابن العرقة ، فأصاب أكحله فقطعه ، فدعا الله تعالى سعد رضي الله عنه فقال : اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة ، قالت : وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية ، قالت : فرقأ كلمه وبعث الله تعالى الريح على المشركين (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً) ، فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة ، ولحق عيينة بن بدر ومن معه بنجد ، ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم ، ورجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة ، وأمر بقبة من أدم فضربت على سعد رضي الله عنه في المسجد ، قالت : فجاءه جبريل عليهالسلام وإن على ثناياه لنقع الغبار ، فقال : أوقد وضعت السلاح؟ لا والله ما وضعت الملائكة بعد السلاح ، اخرج إلى بني قريظة فقاتلهم.
قالت : فلبس رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأمته ، وأذن في الناس بالرحيل أن يخرجوا ، فمر على بني تميم وهم جيران المسجد ، فقال «من مر بكم؟» قالوا : مر بنا دحية الكلبي ، وكان دحية الكلبي يشبه لحيته وسنه ووجهه جبريل عليه الصلاة والسلام ، فأتاهم رسول اللهصلىاللهعليهوسلم فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة ، فلما اشتد حصارهم واشتد البلاء ، قيل لهم انزلوا على حكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر ، فأشار إليهم إنه الذبح ، قالوا ننزل على حكم سعد بن معاذ
__________________
(١) المسند ٦ / ١٤١ ، ١٤٢.
(٢) الرجز لحمل بن سعدانة بن عليم العليمي في تاج العروس (حمل) ، وبلا نسبة في لسان العرب (حمل)