وقوله تعالى : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) أي لكل من تكلم في هذه القضية ورمى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بشيء من الفاحشة نصيب عظيم من العذاب (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ) قيل ابتدأ به ، وقيل الذي كان يجمعه ويستوشيه ويذيعه ويشيعه (لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) أي على ذلك ، ثم الأكثرون على أن المراد بذلك إنما هو عبد الله بن أبي ابن سلول قبحه الله تعالى ولعنه ، وهو الذي تقدم النص عليه في الحديث ، وقال ذلك مجاهد وغير واحد ، وقيل المراد به حسان بن ثابت ، وهو قول غريب ، ولو لا أنه وقع في صحيح البخاري ما قد يدل على ذلك ، لما كان لإيراده كبير فائدة ، فإنه من الصحابة الذين لهم فضائل ومناقب ومآثر ، وأحسن مآثره أنه كان يذب عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بشعره ، وهو الذي قال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم «هاجهم وجبريل معك».
وقال الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال : كنت عند عائشة رضي الله عنها ، فدخل حسان بن ثابت ، فأمرت فألقي له وسادة ، فلما خرج قلت لعائشة : ما تصنعين بهذا؟ يعني يدخل عليك ، وفي رواية قيل لها : أتأذنين لهذا يدخل عليك ، وقد قال الله (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) قالت : وأي عذاب أشد من العمى ، وكان قد ذهب بصره ، لعل الله أن يجعل ذلك هو العذاب العظيم ثم قالت إنه كان ينافح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وفي رواية أنه أنشدها عند ما دخل عليها شعرا يمتدحها به ، فقال [الطويل] :
حصان رزان ما تزنّ بريبة |
|
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل (١) |
فقالت : أما أنت فلست كذلك ، وفي رواية ، لكنك لست كذلك ، وقال ابن جرير (٢) : حدثنا الحسن بن قزعة ، حدثنا سلمة بن علقمة ، حدثنا داود عن عامر عن عائشة أنها قالت : ما سمعت بشعر أحسن من شعر حسان ، ولا تمثلت به إلا رجوت له الجنة قوله لأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب [الوافر] :
هجوت محمدا فأجبت عنه |
|
وعند الله في ذاك الجزاء (٣) |
فإن أبي ووالده وعرضي |
|
لعرض محمد منكم وقاء |
__________________
(١) البيت لحسان بن ثابت في ديوانه ص ٢٢٨ ، والإنصاف ٢ / ٧٥٩ ، ولسان العرب (حصن) ، وتاج العروس (حصن) ، (رزن) ، وتفسير الطبري ٩ / ٢٧٧ (الشطر الثاني فقط) ، وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص ٢٨٩ ، ولسان العرب (غرث)
(٢) تفسير الطبري ٩ / ٢٧٦.
(٣) الأبيات في ديوان حسان بن ثابت ص ٧٦ ، والبيت الأول في مقاييس اللغة ٤ / ٢٧٤ ، والبيت الثاني في لسان العرب (عرض) ، وأمالي المرتضى ١ / ٦٣٢ ، وتاج العروس (عرض) ويروى صدر البيت الثالث :
أتهجوه ولست له بندّ
وهو في خزانة الأدب ٩ / ٢٣٢ ، ٢٣٦ ، ٢٣٧ ، وشرح الأشموني ٣ / ٣٨٨ ، ولسان العرب (ندد) ، (عرش)