من أموركم (وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ) أي على عباده ، وإن كان ذلك بعد الحلف والأيمان المغلظة (حَكِيمٌ) فيما يشرعه ويأمر به وفيما ينهى عنه ، وقد وردت الأحاديث بمقتضى العمل بهذه الآية وذكر سبب نزولها وفيمن نزلت فيه من الصحابة.
فقال الإمام أحمد (١) : حدثنا يزيد ، أخبرنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار رضي الله عنه : أهكذا أنزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم؟» فقالوا : يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور ، والله ما تزوج امرأة قط إلا بكرا ، وما طلق امرأة له قط فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته. فقال سعد : والله يا رسول الله إني لأعلم أنها حق وأنها من الله ، ولكني قد تعجبت أني لو وجدت لكاعا قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء ، فو الله لا آتي بهم حتى يقضي حاجته.
ـ قال : فما لبثوا إلا يسيرا ـ حتى جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم ، فجاء من أرضه عشاء ، فوجد عند أهله رجلا ، فرأى بعينيه وسمع بأذنيه فلم يهيجه حتى أصبح ، فغدا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله إني جئت على أهلي عشاء فوجدت عندها رجلا ، فرأيت بعيني وسمعت بأذني ، فكره رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما جاء به واشتد عليه ، واجتمعت عليه الأنصار وقالوا : قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة الآن ، يضرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم هلال بن أمية ويبطل شهادته في الناس ، فقال هلال : والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا. وقال هلال يا رسول الله فإني قد أرى ما اشتد عليك مما جئت به ، والله يعلم إني لصادق. فو الله إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يريد أن يأمر بضربه إذ أنزل الله على رسوله صلىاللهعليهوسلم الوحي ، وكان إذا أنزل عليه الوحي عرفوا ذلك في تربد وجهه ، يعني فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي.
فنزلت : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ) الآية ، فسري عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال «أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا» فقال هلال : قد كنت أرجو ذلك من ربي عزوجل ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أرسلوا إليها» فأرسلوا إليها فجاءت ، فتلاها رسول الله صلىاللهعليهوسلم عليهما ، فذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا ، فقال هلال : والله يا رسول الله لقد صدقت عليها ، فقالت : كذب.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لاعنوا بينهما» فقيل لهلال : اشهد ، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، فلما كانت الخامسة قيل له : يا هلال اتق الله ، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب
__________________
(١) المسند ١ / ٢٣٨ ، ٢٣٩.