٨] ، حديث أسماء بنت الصديق في ذلك.
وقوله : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) كقوله (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ) [فصلت : ٤٦ ؛ والجاثية : ١٥] ونظائرها في القرآن كثيرة.
وقوله (وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) قال الحسن البصري : نفقة المؤمن لنفسه ولا ينفق المؤمن إذا أنفق إلا ابتغاء وجه الله ، وقال عطاء الخراساني : يعني إذا عطيت لوجه الله فلا عليك ما كان عمله. وهذا معنى حسن وحاصله أن المتصدق إذا تصدق ابتغاء وجه الله ، فقد وقع أجره على الله ، ولا عليه في نفس الأمر لمن أصاب البرّ أو فاجر أو مستحق أو غيره ، وهو مثاب على قصده ، ومستند هذا تمام الآية (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) والحديث المخرج في الصحيحين (١) من طريق أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «قال رجل لأتصدقنّ الليلة بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية ، فأصبح الناس يتحدثون : تصدق على زانية ، فقال : اللهم لك الحمد على زانية ، لأتصدقن الليلة بصدقة فوضعها في يد غني ، فأصبحوا يتحدثون : تصدق الليلة على غني ، قال : اللهم لك الحمد على غني ، لأتصدقن الليلة بصدقة ، فخرج فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون : تصدق الليلة على سارق ، فقال : اللهم لك الحمد على زانية وعلى غني وعلى سارق ، فأتي فقيل له : أما صدقتك فقد قبلت ، وأما الزانية فلعلها أن تستعفّ بها عن زناها ، ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله ، ولعل السارق أن يستعف بها عن سرقته».
وقوله (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) يعني المهاجرين الذين انقطعوا إلى الله وإلى رسوله وسكنوا المدينة ، وليس لهم سبب يردون به على أنفسهم ما يغنيهم و (لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ) يعني سفرا للتسبب في طلب المعاش والضرب في الأرض هو السفر ، قال الله تعالى : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) [النساء : ١٠١] وقال تعالى : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) [المزمل : ٢٠].
وقوله (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) أي الجاهل بأمرهم وحالهم يحسبهم أغنياء من تعففهم في لباسهم وحالهم ومقالهم ، وفي هذا المعنى الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده التمرة والتمرتان ، واللقمة واللقمتان ، والأكلة والأكلتان ، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ، ولا يسأل الناس شيئا». رواه أحمد (٢) من حديث ابن مسعود أيضا.
__________________
(١) أخرجه مسلم (زكاة حديث ٧٨) والنسائي (زكاة باب ٤٧) وأحمد في المسند (ج ٢ ص ٣٢٢)
(٢) المسند (ج ٢ ص ٣١٦)