وغيرهم (١) ، لما سار رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، معتمرا في سنة ست من الهجرة وحبسه المشركون عن الدخول والوصول إلى البيت وصدوه بمن معه من المسلمين ، في ذي القعدة وهو شهر حرام حتى قاضاهم على الدخول من قابل ، فدخلها في السنة الآتية هو ومن كان من المسلمين ، وأقصه الله منهم ، فنزلت في ذلك هذه الآية (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ).
وقال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى حدثنا ليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، قال : لم يكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يغزو في الشهر الحرام ، إلا أن يغزى ويغزوا ، فإذا حضره أقام حتى ينسلخ.
هذا إسناد صحيح. ولهذا لما بلغ النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهو مخيم بالحديبية أن عثمان قتل ، وكان قد بعثه في رسالة إلى المشركين ، بايع أصحابه وكانوا ألفا وأربعمائة تحت الشجرة ، على قتال المشركين ، فلما بلغه أن عثمان لم يقتل ، كف عن ذلك وجنح إلى المسالمة والمصالحة ، فكان ما كان. وكذلك لما فرغ من قتال هوازن يوم حنين ، وتحصن فلّهم (٢) بالطائف ، عدل إليها فحاصرها ، ودخل ذو القعدة وهو محاصر لها بالمنجنيق ، واستمر عليه إلى كمال أربعين يوما كما ثبت في الصحيحين عن أنس ، فلما كثر القتل في أصحابه انصرف عنها ولم تفتح ، ثم كر راجعا إلى مكة واعتمر من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين ، وكانت عمرته هذه في ذي القعدة أيضا ، عام ثمان صلوات الله وسلامه عليه.
وقوله : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) أمر بالعدل حتى في المشركين ، كما قال : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) [النحل : ١٢٦] وقال : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠] وروى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس أن قوله : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) ، نزلت بمكة حيث لا شوكة ولا جهاد ، ثم نسخ بآية القتال بالمدينة ، وقد رد هذا القول ابن جرير (٣) ، وقال : بل الآية مدنية بعد عمرة القضية وعزا ذلك إلى مجاهد رحمهالله.
وقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) أمر لهم بطاعة الله وتقواه ، وإخباره بأنه تعالى مع الذين اتقوا بالنصر والتأييد في الدنيا والآخرة.
(وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (١٩٥)
قال البخاري : حدثنا إسحاق أخبرنا النضر ، أخبرنا شعبة عن سليمان ، سمعت أبا وائل عن حذيفة (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) قال : نزلت في النفقة ، ورواه ابن
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ٢ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣.
(٢) فلّهم : أي المنهزمون منهم والجمع فلول.
(٣) تفسير الطبري ٢ / ٢٠٥.