وقوله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ) قال الحسن البصري : كانوا يقرءون في كتاب الله الذي أتاهم إن الدين الإسلام وإن محمدا رسول الله وإن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، كانوا براء من اليهودية والنصرانية فشهدوا لله بذلك ، وأقروا على أنفسهم لله ، فكتموا شهادة الله عندهم من ذلك.
وقوله (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) تهديد ووعيد شديد ، أي أن علمه محيط بعلمكم وسيجزيكم عليه. ثم قال تعالى : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ) أي قد مضت ، (لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) أي لهم أعمالهم ولكم أعمالكم (وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) وليس يغني عنكم انتسابكم إليهم من غير متابعة منكم لهم ، ولا تغتروا بمجرد النسبة إليهم حتى تكونوا منقادين مثلهم لأوامر الله واتباع رسله الذين بعثوا مبشرين ومنذرين ، فإنه من كفر بنبي واحد ، فقد كفر بسائر الرسل ولا سيما بسيد الأنبياء وخاتم المرسلين ورسول رب العالمين إلى جميع الإنس والجن من المكلفين صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر أنبياء الله أجمعين.
(سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٤٢) وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١٤٣)
قيل : المراد بالسفهاء ـ هاهنا مشركوا العرب ، قاله الزجاج ، وقيل أحبار يهود ، قاله مجاهد ، وقيل : المنافقون ، قاله السدي ، والآية عامة في هؤلاء كلهم ، والله أعلم.
قال البخاري (١) : أخبرنا أبو نعيم ، سمع زهيرا عن أبي إسحاق ، عن البراء رضي الله عنه : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم صلّى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا ، أو سبعة عشر شهرا ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت ، وأنه صلّى أول صلاة (٢) صلاها صلاة العصر ، وصلّى معه قوم فخرج رجل ممن كان يصلي (٣) معه ، فمر على أهل المسجد وهم راكعون ، قال : أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلىاللهعليهوسلم قبل مكة ، فداروا كما هم قبل البيت ، وكان الذي مات على القبلة قبل ان تحول قبل البيت رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم ، فأنزل الله (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) انفرد به البخاري من هذا الوجه ، ورواه مسلم من وجه آخر.
وقال محمد بن إسحاق : حدثني إسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحاق ، عن البراء ، قال:
__________________
(١) صحيح البخاري (تفسير سورة البقرة باب ٨)
(٢) عبارة الصحيح : «وأنه صلّى أو صلاها صلاة العصر».
(٣) في الصحيح : «صلى معه».