ونهيكم الذي نهاكم عنه. فقالوا : ومن يأخذه بقولك أنت؟ لا والله حتى نرى الله جهرة حتى يطلع الله علينا فيقول : هذا كتابي فخذوه ، فما له لا يكلمنا كما يكلمك أنت يا موسى ، وقرأ قول الله (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) قال : فجاءت غضبة من الله فجاءتهم صاعقة بعد التوبة فصعقتهم فماتوا أجمعون ، قال : ثم أحياهم الله من بعد موتهم ، وقرأ قول الله (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فقال لهم موسى : خذوا كتاب الله ، فقالوا : لا ، فقال : أي شيء أصابكم؟ فقالوا : أصابنا أنا متنا ثم أحيينا ، قال : خذوا كتاب الله ، قالوا : لا ، فبعث الله ملائكة فنتقت (١) الجبل فوقهم. وهذا السياق يدل على أنهم كلفوا بعد ما أحيوا. وقد حكى الماوردي في ذلك قولين : أحدهما : أنه سقط التكليف عنهم لمعاينتهم الأمر جهرة حتى صاروا مضطرين إلى التصديق ، والثاني : أنهم مكلفون لئلا يخلو عاقل من تكليف ، قال القرطبي (٢) : وهذا هو الصحيح لأن معاينتهم للأمور الفظيعة لا تمنع تكليفهم لأن بني إسرائيل قد شاهدوا أمورا عظاما من خوارق العادات ، وهم في ذلك مكلفون وهذا واضح ، والله أعلم.
(وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٥٧)
لما ذكر تعالى ما دفعه عنهم من النقم ، شرع يذكرهم أيضا بما أسبغ عليهم من النعم ، فقال: (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) وهو جمع غمامة ، سمي بذلك لأنه يغم السماء أي يواريها ويسترها ، وهو السحاب الأبيض ظللوا به في التيه ليقيهم حر الشمس ، كما رواه النسائي وغيره عن ابن عباس في حديث الفتون ، قال : ثم ظلل عليهم في التيه بالغمام. قال ابن أبي حاتم : وروي عن ابن عمر والربيع بن أنس وأبي مجلز والضحاك والسدي نحو قول ابن عباس. وقال الحسن وقتادة (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) كان هذا في البرية ، ظلل عليهم الغمام من الشمس. وقال ابن جرير : قال آخرون : وهو غمام أبرد من هذا وأطيب. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا أبو حذيفة حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) قال ، ليس بالسحاب هو الغمام الذي يأتي الله فيه يوم القيامة ولم يكن إلا لهم. وهكذا رواه ابن جرير عن المثنى بن إبراهيم عن أبي حذيفة (٣) ، وكذا رواه الثوري وغيره عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وكأنه يريد ، والله أعلم ، أن ليس من زي هذا السحاب بل أحسن منه وأطيب وأبهى منظرا ، كما قال سنيد في تفسيره عن حجاج بن محمد عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) قال : غمام أبرد من هذا وأطيب وهو الذي يأتي الله فيه في قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ
__________________
(١) نتقت الجبل : رفعته من مكانه لترمي به. أو : هزّته ونفضته.
(٢) تفسير القرطبي ١ / ٤٠٥. وما حكاه الماوردي نقله القرطبي.
(٣) الطبري ١ / ٢٣٣.