المسلمون : إنما قتلناه في جمادى ، وقيل : في أول ليلة من رجب وآخر ليلة من جمادى ، وغمد المسلمون سيوفهم حين دخل شهر رجب ، وأنزل الله يعير أهل مكة (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) لا يحل وما صنعتم أنتم يا معشر المشركين أكبر من القتل في الشهر الحرام حين كفرتم بالله وصددتم عن محمد صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، وإخراج أهل المسجد الحرام منه حين أخرجوا محمدا صلىاللهعليهوسلم وأصحابه أكبر من القتل عند الله.
وقال العوفي عن ابن عباس (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) وذلك أن المشركين صدوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وردوه عن المسجد في شهر حرام ، قال : ففتح الله على نبيه في شهر حرام من العام المقبل ، فعاب المشركون على رسول الله صلىاللهعليهوسلم القتال في شهر حرام ، فقال الله (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ) من القتال فيه ، وأن محمدا صلىاللهعليهوسلم بعث سرية ، فلقوا عمرو بن الحضرمي وهو مقبل من الطائف في آخر ليلة من جمادى وأول ليلة من رجب وأن أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم ، كانوا يظنون أن تلك الليلة من جمادى وكانت أول رجب ، ولم يشعروا ، فقتله رجل منهم وأخذوا ما كان معه ، وإن المشركين أرسلوا يعيرونه بذلك ، فقال الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ) إخراج أهل المسجد الحرام أكبر من الذي أصاب أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم ، والشرك أشد منه ، وهكذا روى أبو سعيد البقال عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنها نزلت في سرية عبد الله بن جحش وقتل عمرو بن الحضرمي.
وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وقال : نزل فيما كان من مصاب عمرو بن الحضرمي (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) إلى آخر الآية.
وقال عبد الملك بن هشام راوي السيرة (١) ، عن زياد بن عبد الله البكائي ، عن محمد بن إسحاق بن يسار المدني رحمهالله ، في كتاب السيرة له ، أنه قال : وبعث رسول اللهصلىاللهعليهوسلم عبد الله بن جحش بن رباب الأسدي في رجب ، مقفله من بدر الأولى ، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد ، وكتب له كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ، ثم ينظر فيه فيمضي كما أمره به ، ولا يستكره من أصحابه أحدا ، وكان أصحاب عبد الله بن جحش من المهاجرين ، ثم من بني عبد شمس بن عبد مناف : أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ، ومن حلفائهم : عبد الله بن جحش ، وهو أمير القوم ، وعكاشة بن محصن بن حرثان أحد بني أسد بن خزيمة حليف لهم ، ومن بني نوفل بن عبد مناف عتبة بن غزوان بن جابر حليف لهم ومن بني زهرة بن كلاب سعد بن أبي وقاص ومن بني
__________________
(١) سيرة ابن هشام ١ / ٦٠١ ـ ٦٠٥.