وقال عبد الرزاق : حدثنا معمر عن سليمان الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة في قوله : (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ) الآية ، قال : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ، نحن أول الناس دخولا الجنة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له ، فالناس لنا فيه تبع فغدا لليهود وبعد غد للنصارى» ثم رواه عبد الرزاق عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة.
وقال ابن وهب ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه في قوله (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ) فاختلفوا في يوم الجمعة ، فاتخذ اليهود يوم السبت ، والنصارى يوم الأحد ، فهدى الله أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ليوم الجمعة واختلفوا في القبلة فاستقبلت النصارى المشرق واليهود بيت المقدس فهدى الله أمة محمد للقبلة واختلفوا في الصلاة ، فمنهم من يركع ولا يسجد ، ومنهم من يسجد ولا يركع ، ومنهم من يصلي وهو يتكلم ، ومنهم من يصلي وهو يمشي ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك ، واختلفوا في الصيام ، فمنهم من يصوم بعض النهار ، ومنهم من يصوم عن بعض الطعام ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك. واختلفوا في إبراهيم عليهالسلام ، فقالت اليهود : كان يهوديا ، وقالت : النصارى كان نصرانيا ، وجعله الله حنيفا مسلما ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك. واختلفوا في عيسى عليهالسلام ، فكذبت به اليهود وقالوا لأمه بهتانا عظيما ، وجعلته النصارى إلها وولدا ، وجعله الله روحه وكلمته ، فهدى الله أمة محمدصلىاللهعليهوسلم للحق من ذلك.
وقال الربيع بن أنس في قوله (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ) أي عند الاختلاف أنهم كانوا على ما جاءت به الرسل قبل الاختلاف ، أقاموا على الإخلاص لله عزوجل وحده ، وعبادته لا شريك له ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، فأقاموا على الأمر الأول الذي كان قبل الاختلاف واعتزلوا الاختلاف وكانوا شهداء على الناس يوم القيامة شهداء على قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب وآل فرعون ، أن رسلهم قد بلغوهم ، وأنهم قد كذبوا رسلهم.
وفي قراءة أبي بن كعب : «وليكونوا شهداء على الناس يوم القيامة ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم». وكان أبو العالية يقول في هذه الآية : المخرج من الشبهات والضلالات والفتن.
وقوله (بِإِذْنِهِ) أي بعلمه بهم وبما هداهم له ، قاله ابن جرير (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أي من خلقه (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي وله الحكمة والحجة البالغة ، وفي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كان إذا قام من الليل يصلي يقول : «اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» وفي