(وَابْنَ السَّبِيلِ) وهو المسافر المجتاز الذي قد فرغت نفقته فيعطى ما يوصله إلى بلده ، وكذا الذي يريد سفرا في طاعة فيعطى ما يكفيه في ذهابه وإيابه ، ويدخل في ذلك الضيف ، كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال : ابن السبيل هو الضيف الذي ينزل بالمسلمين ، وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وأبو جعفر الباقر والحسن وقتادة والضحاك والزهري والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان.
(وَالسَّائِلِينَ) وهم الذين يتعرضون للطلب فيعطون من الزكوات والصدقات ، كما قال الإمام أحمد (١) : حدثنا وكيع وعبد الرحمن قالا : حدثنا سفيان عن مصعب بن محمد ، عن يعلى بن أبي يحيى ، عن فاطمة بنت الحسين ، عن أبيها ـ قال عبد الرحمن حسين بن علي ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «للسائل حق وإن جاء على فرس» رواه أبو داود.
(وَفِي الرِّقابِ) وهم المكاتبون الذين لا يجدون ما يؤدونه في كتابتهم ، وسيأتي الكلام على كثير من هذه الأصناف في آية الصدقات من براءة إن شاء الله تعالى ، وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، حدثنا شريك عن أبي حمزة عن الشعبي ، حدثتني فاطمة بنت قيس ، أنها سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أفي المال حق سوى الزكاة؟ قالت : فتلا علي (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) ورواه ابن مردويه من حديث آدم بن إياس ويحيى بن عبد الحميد كلاهما عن شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس ، قالت : قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم «في المال حق سوى الزكاة» ثم قرأ (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) ـ إلى قوله ـ (وَفِي الرِّقابِ) وأخرجه ابن ماجة والترمذي ، وضعف أبا حمزة ميمونا الأعور ، وقد رواه سيار وإسماعيل بن سالم عن الشعبي.
وقوله (وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ) أي وأتم أفعال الصلاة في أوقاتها بركوعها وسجودها وطمأنينتها وخشوعها على الوجه الشرعي المرضي ، وقوله : (وَآتَى الزَّكاةَ) يحتمل أن يكون المراد به زكاة النفس وتخليصها من الأخلاق الدنيئة الرذيلة كقوله : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) [الشمس : ٩ ـ ١٠] وقول موسى لفرعون (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى) [النازعات : ١٨] وقوله تعالى : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) [فصلت : ٧] ويحتمل أن يكون المراد زكاة المال ، كما قاله سعيد بن جبير ومقاتل بن حيان ، ويكون المذكور من إعطاء هذه الجهات والأصناف المذكورين ، إنما هو التطوع والبر والصلة ، ولهذا تقدم في الحديث عن فاطمة بنت قيس أن في المال حقا سوى الزكاة ، والله أعلم.
وقوله : (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا) ، كقوله : (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ
__________________
ـ باب ٧٦) والدارمي (زكاة باب ٢) ومالك في الموطأ (صفة النبي حديث ٢٤).
(١) المسند (ج ١ ص ٢٠١)