كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصلي نحو بيت المقدس ، ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر
الله ، فأنزل الله (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ
وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة : ١٤٤]
فقال رجل من المسلمين : وددنا لو علمنا علم من مات منا قبل أن نصرف إلى القبلة ،
وكيف بصلاتنا نحو بيت المقدس ، فأنزل الله (وَما كانَ اللهُ
لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) وقال السفهاء من الناس ، وهم أهل الكتاب : ما ولاهم عن
قبلتهم التي كانوا عليها ، فأنزل الله (سَيَقُولُ
السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ) إلى آخر الآية.
وقال ابن أبي حاتم
: حدثنا أبو زرعة ، حدثنا الحسن بن عطية ، حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء ،
قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد صلّى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ، وكان يحب أن يوجه
نحو الكعبة ، فأنزل الله (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ
وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) قال : فوجه نحو الكعبة وقال السفهاء من الناس وهم اليهود (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ
الَّتِي كانُوا عَلَيْها) فأنزل الله (قُلْ لِلَّهِ
الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
وقال علي بن أبي
طلحة عن ابن عباس : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما هاجر إلى المدينة أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ،
ففرحت اليهود ، فاستقبلها رسول الله صلىاللهعليهوسلم بضعة عشر شهرا وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحب قبلة إبراهيم ، فكان يدعو الله وينظر إلى السماء ،
فأنزل الله عزوجل : (فَوَلُّوا
وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) [البقرة : ١٤٤ ـ ١٥٠]
أي نحوه ، فارتاب من ذلك اليهود وقالوا : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟
فأنزل الله (قُلْ لِلَّهِ
الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
وقد جاء في هذا
الباب أحاديث كثيرة ، وحاصل الأمر أنه قد كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمر باستقبال الصخرة من بيت المقدس ، فكان بمكة يصلي بين
الركنين ، فتكون بين يديه الكعبة وهو مستقبل صخرة بيت المقدس ، فلما هاجر إلى
المدينة تعذر الجمع بينهما ، فأمره الله بالتوجه إلى بيت المقدس ، قال ابن عباس
والجمهور : ثم اختلف هؤلاء ، هل كان الأمر به بالقرآن أو بغيره على قولين.
وحكى القرطبي في
تفسيره عن عكرمة وأبي العالية والحسن البصري : إن التوجه إلى بيت المقدس كان
باجتهاده عليهالسلام.
والمقصود : إن
التوجه إلى بيت المقدس بعد مقدمه صلىاللهعليهوسلم المدينة ، واستمر الأمر على ذلك بضعة عشر شهرا وكان يكثر
الدعاء والابتهال أن يوجه إلى الكعبة التي هي قبلة إبراهيم عليهالسلام ، فأجيب إلى ذلك وأمر بالتوجه إلى البيت العتيق ، فخطب
رسول الله صلىاللهعليهوسلم الناس فأعلمهم بذلك ، وكان أول صلاة صلاها إليها صلاة
العصر ، كما تقدم في الصحيحين رواية البراء.