وقوله : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) قال ابن أبي حاتم : أخبرنا أبو سعيد الأشج ، أخبرنا أسباط عن مطرف عن عطية عن ابن عباس قال : (قانِتِينَ) مصلين ، وقال عكرمة وأبو مالك : (لٌّ لَهُ قانِتُونَ) مقرون له بالعبودية ، وقال سعيد بن جبير : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) ، يقول الإخلاص ، وقال الربيع بن أنس : يقول : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) أي : قائم يوم القيامة ، وقال السدي : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) أي : مطيعون يوم القيامة ، وقال خصيف عن مجاهد : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) قال : مطيعون ، كن إنسانا فكان ، وقال : كن حمارا فكان ، وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد : كل له قانتون مطيعون ، قال : طاعة الكافر في سجود ظله وهو كاره ، وهذا القول عن مجاهد وهو اختيار ابن جرير يجمع الأقوال كلها وهو أن القنوت والطاعة والاستكانة إلى الله وهو شرعي وقدري كما قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) [الرعد : ١٥].
وقد ورد حديث فيه بيان القنوت في القرآن ما هو المراد به ، كما قال ابن أبي حاتم : أخبرنا يوسف بن عبد الأعلى ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «كل حرف من القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة» ، وكذا رواه الإمام أحمد (١) : عن حسن بن موسى عن ابن لهيعة عن دراج بإسناده مثله ، ولكن في هذا الإسناد ضعف لا يعتمد عليه ، ورفع هذا الحديث منكر ، وقد يكون من كلام الصحابي أو من دونه ، والله أعلم.
وقوله تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : خالقهما على غير مثال سبق ؛ قال مجاهد والسدي : وهو مقتضى اللغة ، ومنه يقال للشيء المحدث بدعة ، كما جاء في صحيح مسلم : فإن كل محدثة بدعة ، والبدعة على قسمين : تارة تكون بدعة شرعية ، كقوله : «فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» ، وتارة تكون بدعة لغوية ، كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم : نعمت البدعة هذه.
وقال ابن جرير (٢) : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مبدعهما ، وإنما هو مفعل فصرف إلى فعيل ، كما صرف المؤلم إلى الأليم ، والمسمع إلى السميع ، ومعنى المبدع المنشئ والمحدث ، ما لم يسبقه إلى إنشاء مثله وإحداثه أحد ، قال : ولذلك سمي المبتدع في الدين ، مبتدعا لإحداثه فيه ما لم يسبق إليه غيره ، وكذلك كل محدث قولا أو فعلا ، لم يتقدم فيه متقدم ، فإن العرب تسميه مبتدعا ، ومن ذلك قول أعشى بني ثعلبة في مدح هوذة بن علي الحنفي : [البسيط]
يرعي إلى قول سادات الرجال إذا |
|
أبدوا له الحزم أو ما شاءه ابتدعا (٣) |
__________________
(١) مسند أحمد (ج ٣ ص ٧٥)
(٢) تفسير الطبري ١ / ٥٥٥.
(٣) البيت للأعشى في ديوانه ص ٨٦ ؛ وتفسير الطبري ١ / ٥٥٥.