١٨٤٨ من الميلاد هكذا : «ان البعض قالوا أنه ادّعى أني فارقليط ، يعني المعزي روح القدس ، وهو كان أتقى ومرتاضا شديدا ، ولأجل ذلك قبله الناس قبولا زائدا». انتهى كلامه. فعلم أن انتظار فارقليط كان في القرون الأولى المسيحية أيضا. ولذلك كان الناس يدعون أنهم مصاديقه ، وكان المسيحيون يقبلون دعاويهم. وقال صاحب لب التواريخ «ان اليهود والمسيحيين من معاصري محمد صلىاللهعليهوسلم كانوا منتظرين لنبيّ ، فحصل لمحمد من هذا الأمر نفع عظيم لأنه ادّعى أني هو ذاك المنتظر». انتهى ملخص كلامه. فيعلم من كلامه أيضا أن أهل الكتاب كانوا منتظرين لخروج نبي في زمان النبيّ صلىاللهعليهوسلم. وهو الحق لأن النجاشي ملك الحبشة لما وصل إليه كتاب محمد صلىاللهعليهوسلم فقال : «أشهد بالله أنه للنبي الذي ينتظره أهل الكتاب». وكتب الجواب ، وكتب في الجواب : «أشهد أنك رسول الله صادقا ومصدقا ، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك أي جعفر بن أبي طالب وأسلمت على يديه لله رب العالمين». وهذا النجاشي قبل الإسلام كان نصرانيا. وكتب المقوقس ملك القبط في جواب كتاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم هكذا : «لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط سلام عليك. أما بعد فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه. وقد علمت أن نبيا قد بقي وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام وقد أكرمت رسولك». والمقوقس هذا ، وإن لم يسلم ، لكنه أقرّ في كتابه أني قد علمت أن نبيا قد بقي وكان نصرانيا. فهذان الملكان ما كانا يخافان في ذلك الوقت من محمد صلىاللهعليهوسلم لأجل شوكته الدنيوية. وجاء الجارود بن العلاء في قومه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «والله لقد جئت بالحق ونطقت بالصدق. والذي بعثك بالحق نبيّا ، لقد وجدت وصفك في الإنجيل وبشّر بك ابن البتول ، فطول التحية لك ، والشكر لمن أكرمك ، لا أثر بعد عين ولا شك بعد يقين ، مدّ يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله». ثم آمن قومه. وهذا الجارود كان من علماء النصارى. وقد أقرّ بأنه قد بشّر بك ابن البتول أي عيسى عليهالسلام. فظهر أن المسيحيين أيضا كانوا منتظرين لخروج نبيّ بشّر به عيسى عليهالسلام.
فإذا علمت ذلك ، فأقول ان اللفظ العبراني الذي قاله عيسى عليهالسلام مفقود ، واللفظ اليوناني الموجود ترجمة. لكني أترك البحث عن الأصل وأتكلم عن هذا اللفظ اليوناني وأقول : إن كان اللفظ اليوناني الأصل پير كلوطوس ، فلأمر ظاهر وتكون بشارة المسيح في حق محمد صلىاللهعليهوسلم بلفظ هو قريب من محمد وأحمد. وهذا وإن كان قريب القياس بلحاظ عاداتهم ، لكني أترك هذا الاحتمال لأنه لا يتمّ عليهم إلزاما. وأقول إن كان اللفظ اليوناني الأصل پاراكلي طوس ، كما يدعون ، فهذا لا ينافي الاستدلال أيضا لأن معناه المعزي والمعين والوكيل على ما بين صاحب الرسالة أو الشافع ، كما يوجد في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١٦. وهذه المعاني كلها تصدق على محمد صلىاللهعليهوسلم. وأنا أبين الآن أولا ان المراد بفارقليط