الفصل الأول
في إبطال التثليث بالبراهين العقلية
البرهان الأول : لمّا كان التثليث والتوحيد حقيقيين عند المسيحيين بحكم الأمر العاشر من المقدمة ، فإذا وجد التثليث الحقيقي لا بدّ من أن تؤكّد الكثرة الحقيقة أيضا ، بحكم الأمر التاسع من المقدمة. ولا يمكن بعد ثبوتها ثبوت التوحيد الحقيقي ، وإلّا يلزم اجتماع الضدّين الحقيقيين بحكم الأمر السابع من المقدمة وهو محال. فلزم تعدّد الوجباء وفاة التوحيد يقينا. فقائل التثليث لا يمكن أن يكون موحّد الله تعالى بالتوحيد الحقيقي. والقول بأن التثليث الحقيقي والتوحيد الحقيقي ، وإن كانا ضدّين حقيقيين في غير الواجب ، لكنهما ليسا كذلك ، فيه سفسطة محضة. لأنه إذا ثبت أن الشيئين بالنظر إلى ذاتيهما ضدّان حقيقيان أو نقيضان في نفس الأمر ، فلا يمكن اجتماعهما في أمر واحد شخصي في زمان واحد من جهة واحدة ، واجبا كان ذلك الأمر أو غير واجب ، كيف وان الواحد الحقيقي ليس له ثلث صحيح ، والثلاثة لها ثلث صحيح وهو واحد. وان الثلاثة مجموع آحاد ثلاثة ، والواحد الحقيقي ليس مجموع آحاد رأسا. وان الواحد الحقيقي جزء الثلاثة. فلو اجتمعا في محل واحد يلزم كون الجزء كلّا والكلّ جزءا. وان هذا الاجتماع يستلزم كون الله مركّبا من أجزاء غير متناهية بالفعل لاتّحاد حقيقة الكل والجزء على هذا التقدير ، والكلّ مركّب ، فكل جزء من أجزائه أيضا مركّب من الأجزاء التي تكون عين هذا الجزء ، وهلمّ جرّا. وكون الشيء مركّبا من أجزاء غير متناهية بالفعل ، باطل قطعا. وان هذا الاجتماع يستلزم كون الواحد ثلث نفسه ، والثلاثة ثلث الواحد ، وكون الثلاثة ثلاثة أمثال نفسها ، والواحد ثلاثة أمثال الثلاثة.
البرهان الثاني : لو وجد في ذات الله ثلاثة أقانيم ممتازة بامتياز حقيقي ، كما قالوا ، فمع قطع النظر عن تعدّد الوجباء ، يلزم أن لا يكون الله حقيقة محصلة ، بل مركّبا اعتباريا. فإن