النبيّ المبشّر به أعني محمدا صلىاللهعليهوسلم لا الروح النازل على تلاميذ عيسى عليهالسلام يوم الدار الذي جاء ذكره في الباب الثاني من كتاب الأعمال. وأذكر ثانيا شبهات العلماء المسيحية وأجيب عنها. فأقول :
في أن الفارقليط المبشّر به هو محمد صلىاللهعليهوسلم
أما الأول فيدل عليه أمور : / ١ / ان عيسى عليهالسلام قال : «أولا إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي». ثم أخبر عن فارقليط. فمقصوده عليهالسلام أن يعتقد السامعون بأن ما يلقى عليهم بعد ضروريّ واجب الرعاية. فلو كان فارقليط عبارة عن الروح النازل يوم الدار لما كانت الحاجة إلى هذه الفقرة. لأنه ما كان مظنونا أن يستبعد الحواريون نزول الروح عليهم مرة أخرى ، لأنهم كانوا مستفيضين به من قبل أيضا ، بل لا مجال للاستبعاد أيضا. لأنه إذا نزل على قلب أحد وحلّ فيه يظهر أثره لا محالة ظهورا بينا. فلا يتصوّر إنكار المتأثر منه ، وليس ظهوره عندهم في صورة يكون فيه مظنة يكون الاستبعاد ، فهو عبارة عن النبيّ المبشّر به. فحقيقة الأمر أن المسيح عليهالسلام لما علم بالتجربة وبنور النبوّة أن الكثيرين من أمته ينكرون النبيّ المبشّر به عند ظهوره ، فأكّد أولا بهذه الفقرة ثم أخبر عن مجيئه. / ٢ / ان هذا الروح متحد بالأب مطلقا وبالابن نظرا إلى لاهوته اتحادا حقيقيا. فلا يصدق في حقه فارقليط آخر ، بخلاف النبيّ المبشّر. فإنه يصدق هذا القول في حقه بلا تكلف. / ٣ / ان الوكالة والشفاعة من خواص النبوّة لا من خواص هذا الروح المتحد بالله. فلا يصدقان على الروح ويصدقان على النبيّ المبشّر به بلا تكلف. / ٤ / ان عيسى عليهالسلام قال : «هو يذكركم كل ما قلته لكم». ولم يثبت من رسالة من رسائل العهد الجديد أن الحواريين كانوا قد نسوا ما قاله عيسى عليهالسلام ، وهذا الروح النازل يوم الدار ذكرهم إياه. / ٥ / ان عيسى عليهالسلام قال : «والآن قد قلت لكم قبل أن يكون حتى إذا كان تؤمنون». وهذا يدل على أن المراد به ليس الروح. لأنك قد عرفت في الأمر الأول أنه ما كان عدم الإيمان مظنونا منهم وقت نزوله ، بل لا مجال للاستبعاد أيضا. فلا حاجة إلى هذا القول وليس من شأن الحكيم العاقل أن يتكلّم بكلام فضول فضلا عن شأن النبيّ العظيم الشأن فلو أردنا به النبيّ المبشّر به يكون هذا الكلام في محله وفي غاية الاستحسان لأجل التأكيد مرة ثانية. / ٦ / إن عيسى عليهالسلام قال : «هو يشهد لأجلي». وهذا الروح ما شهد لأجله بين يدي أحد ، لأن تلاميذه الذين نزل عليهم ما كانوا محتاجين إلى الشهادة لأنهم كانوا يعرفون المسيح حق المعرفة قبل نزوله أيضا. فلا فائدة للشهادة بين أيديهم. والمنكرون الذين كانوا محتاجين للشهادة فهذا الروح ما شهد بين