أن هذا الحجر عبارة عن عيسى عليهالسلام ، فغير صحيح لوجوه : الأول ، ان داود عليهالسلام قال في الزبور المائة والثامن عشر هكذا : «٢٢ الحجر الذي رذله البنّاءون هو صار رأسا للزاوية ٢٣ من قبل الرب كان هذه ، وهي عجيبة في أعيننا». فلو كان هذا الحجر عبارة عن عيسى عليهالسلام وهو من اليهود من آل يهوذا من آل داود عليهالسلام ، فأي عجب في أعين اليهود عموما لكون عيسى عليهالسلام رأس الزاوية سيما في عين داود عليهالسلام خصوصا. لأن مزعوم المسيحيين أن داود عليهالسلام يعظم عيسى عليهالسلام في مزاميره تعظيما بليغا ويعتقد الألوهية في حقه بخلاف آل إسماعيل لأن اليهود كانوا يحقرون أولاد إسماعيل غاية التحقير ، وكان كون أحد منهم رأسا للزاوية عجيبا في أعينهم. والثاني ، انه وقع في وسط هذا الحجر من سقط على هذا الحجر يترضض وكل من سقط هو عليه سحقه. ولا يصدق هذا الوصف على عيسى عليهالسلام لأنه قال : «وإن سمع أحد كلامي ولم يؤمن فأنا لا أدينه ، لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم». كما هو في الباب الثاني عشر من إنجيل يوحنا ، وصدقه على محمد صلىاللهعليهوسلم غير محتاج إلى البيان ، لأنه كان مأمورا بتنبيه الفجار الأشرار ، فإن سقطوا عليه ترضضوا ، وإن سقط هو عليهم سحقهم. الثالث ، قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «مثلي ومثل الأنبياء كمثل قصر أحسن بنيانه وترك منه موضع لبنة ، فطاف به النظار يتعجبون من حسن بنيانه إلا موضع تلك اللبنة ، ختم بي البنيان وختم بي الرسل». ولما ثبتت نبوته بالأدلة الأخرى ، كما ذكرت نبذا منها في المسالك السابقة ، فلا بأس بأن استدل في هذه البشارة بقوله أيضا. والرابع ، ان المتبادر من كلام المسيح أن هذا الحجر غير الابن.
البشارة السابعة عشر : في الباب الثاني من المشاهدات هكذا : «٢٦ ومن يغلب ويحفظ أعمالي إلى النهاية فسأعطيه سلطانا على الأمم ٢٧ فيرعاهم بقضيب من حديد كما تكسر آنية من خزف ، كما أخذت أيضا من عند أبي ٢٨ وأعطيه كوكب الصبح ٢٩ من له أذن فليسمع ما يقول الروح بالكنائس». فهذا الغالب الذي أعطي سلطانا على الأمم ويرعاهم بالقضيب من حديد هو محمد صلىاللهعليهوسلم ، كما قال الله في حقه : (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً) [الفتح : ٣]. وقد سماه سطيح الكاهن صاحب الهراوة. روي أن ليلة ولادته صلىاللهعليهوسلم انشق إيوان كسرى أنو شروان وسقط من ذلك أربع عشرة شرافة ، خمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ، وغارت بحيرة ساوة بحيث صارت يابسة ، ورأى الموبذان في نومه أن إبلا صعابا تقود خيلا عرابا فقطعت دجلة وانتشرت في بلادها. فخاف كسرى من حدوث هذه الأمور وأرسل عبد المسيح إلى سطيح الكاهن الذي كان في الشام ، ولما وصل عبد المسيح إليه وجده في سكرات الموت ، فذكر هذه الأمور عنده ، فأجاب سطيح : «إذا كثرت التلاوة وظهر صاحب الهراوة وغاضت بحيرة ساوة وخمدت نار فارس فليست بابل للفرس مقاما ولا الشام لسطيح مناما.