به ؛ فقد أمره أن يصدقه بأنه لا يصدقه ، وذلك جمع نقيضين. وقد نطقت آي من كتاب الله تعالى بالاستعاذة من تكليف ما لا طاقة به ، فقال تعالى : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) [سورة البقرة : ٢٨٦] ؛ فلو لم يكن ذلك ممكنا ، لما ساغت الاستعاذة منه.
فصل
فإن قيل : بم علمتم خروج الألوان والطعوم ونحوها عن كونها مقدورة للعباد؟ قلنا : لو كانت مقدورة لهم على الجملة لاتصفوا بالعجز عنها إذا لم يقدروا عليها ، إذ المحل لا يخلو عن الشيء وضده. فإن قيل : ما يؤمنكم أنهم عاجزون عنها؟ قلنا : لو عجزوا عنها لأحسوا عجزهم ، إذ العجز مما يحس كالعلوم والإرادات ونحوها. والدليل عليه أن العجز عما يجوز أن يكون مقدورا ، يجب أن يكون مدركا عند انتفاء الآفات المانعة من العلوم. ثم لا يجب إدراكه لكونه عرضا ، ولا لصفة أخرى سوى كونه عجزا ، فيلزم إدراك كل عجز لذلك. فإذا لم يدرك عجزا عن الألوان ولا اقتدارا عليها ، قطعنا بخروجها عن قبيل المقدورات. والله الموفق للصواب.
فصل
ما علم الباري سبحانه أنه لا يقع من الحوادث ، فإيقاعه مقدور له. ويتبين ذلك بالمثال أن إقامة الساعة مقدورة لله في وقتنا ، وإن علم أنها لا تقع ناجزة ، وقد اضطرب المتكلمون في هذا الفصل ، ولا محصول للاختلاف فيه عندي.
فإن المعنى بكون المعلوم الذي لا يقع مقدورا لله تعالى أنه في نفسه ممكن ، وأن القدرة عليه في نفسها صالحة له ، لا يقصر تعلقها عنه حسب قصور تعلق القدرة الحادثة عن الألوان ؛ فهذا المعنى بكونه مقدورا ، ثم ما علم الله أنه لا يقع ، فإنه لا يقع قطعا.
فصل
القدرة الحادثة لا تتعلق إلا بقائم بمحلها ، وما يقع مباينا لمحل القدرة فلا يكون مقدورا بها ، بل يقع فعلا للباري تعالى من غير اقتدار العبد عليه. فإذا اندفع حجر عند اعتماد العبد عليه ، فاندفاعه غير مقدور للعبد عند أهل الحق.
وذهبت المعتزلة إلى أن ما يقع مباينا لمحل القدرة ، أو للجملة التي محل القدرة منها ، فيجوز وقوعه متولدا عن سبب مقدور مباشر بالقدرة. فإذا اندفع الحجر عند الاعتماد عليه ، فاندفاعه متولد عن الاعتماد القائم بمحل القدرة.