فإذا صح منك النظر
، واستدّت منك العبر ، أفضت بك إلى العلم. وإن نظر كما رسم له ،
وأنكر أداء صحيح النظر إلى العلم ، فقد تبين عناده ، وسقط استرشاده.
فصل
النظر يضاد العلم
بالمنظور فيه ، ويضاد الجهل به ، والشك فيه. فوجه مضادته للعلم أنه بحث عنه
وابتغاء توصل إليه ، وذلك يناقض تحقق العلم ، إذ الحاصل لا يبتغى. وسبيل مضادته
للجهل ، أن الجهل اعتقاد يتعلق بالمعتقد على خلاف ما هو به ، والموصوف به مصمم
عليه ، وذلك يناقض التطلب والبحث. والتشكك تردد بين معتقدين ، والنظر بغية للحق.
فهو إذا مضاد للعلم وجملة أضداده.
فصل
النظر الصحيح إذا
تمّ على سداده ، ولم تعقبه آفة تنافي العلم ، حصل العلم بالمنظور فيه على الاتصال
بتصرّم النظر. ولا يتأتى من الناظر جهل بالمدلول عقيب النظر مع ذكره له ، ولا
يولّد النظر العلم ، «ولا يوجبه إيجاب العلة معلولها». وزعمت المعتزلة أنه يولده. ووافقونا على أن تذاكر النظر لا يولد العلم ،
وإن كان يتضمنه. وسيرد أصل التولد في موضعه إن شاء الله عزوجل.
فإن قالوا : إذا
كان النظر لا يولد العلم ، ولا يوجبه إيجاب العلة معلولها ، فما معنى تضمنه له؟ قلنا
: المراد بذلك أن النظر الصحيح إذا استبق ، وانتفت الآفاق بعده ، فيتيقن عقلا ثبوت
العلم بالمنظور فيه ؛ فثبوتهما كذلك حتم من غير أن يوجب أحدهما الثاني أو يوجده أو
يولده ، فسبيلهما كسبيل الإرادة لشيء مع العلم به ، إذ لا تتحقق إرادة الشيء من
غير علم به. ثم تلازمهما لا يقضي بكون أحدهما موجدا ، أو موجبا ، أو مولدا.
فصل
النظر الصحيح
يتضمن العلم كما سبق ، والنظر الفاسد لا يتضمن علما ، وكما لا يتضمنه فكذلك لا
يتضمن جهلا ولا ضدا من أضداد العلم سواه ؛ فإن النظر الصحيح يطلع الناظر على وجه
__________________