ومما وقع السؤال
عنه ما يروى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إذا كان يوم القيامة ، واستقرّ أهل الجنان في
النعيم ، وأهل النار في الجحيم ؛ وقالت النار : هل من مزيد؟ ، فيضع الجبار قدمه في
النار ، فتقول النار : قط قط» .
وهذا مما رواه
محمد بن إسماعيل في كتاب التفسير من مسنده الصحيح.
وللتأويل أوسع
مجال فيه ، فيمكن أن يحمل الجبار على متجبر من العباد ، وهو في معلوم الله من أعتى
العتاة ، وقد ألهمت النار ترقّبه ، فهي لا تزال تستزيد حتى يستقرّ قدم ذلك الجبار
فيها ، فتقول النار عند ذلك : قط قط.
وقد ورد في مأثور
الأخبار : أن أقدام الخلائق البرّ منهم والفاجر تستقر على متن جهنم كأنها إهالة
جامدة ، فإذا وافت الأقدام عليها ازدردت النار أهلها ، ولهي أعرف بهم من الوالدة بولدها.
ومصداق حمل الجبار
على ما ذكرناه ، ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أهل النار كل متكبر جبار ، جظّ ، جعظريّ ،
جوّاظ» .
ويمكن حمل القدم
على بعض الأمم المستوجبة للنار في علم الله تعالى ، وتكون الإضافة في القدم بمعنى
الملك.
ومما تتمسك به الحشوية
، ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إن الله خلق آدم على صورته» ، وهذا الحديث غير
مدوّن في الصحاح ، وإن صح فقد نقل له سبب أغفله الحشوية ، وهو ما روي أن رجلا كان
يلطم عبدا له حسن الوجه ، فنهاه صلىاللهعليهوسلم عن ذلك ، وقال : «إن الله تعالى خلق آدم على صورته» ،
والهاء راجعة على العبد المنهي عن ضربه. ويمكن صرف الهاء إلى آدم نفسه ، ومعنى
الحديث على ذلك أن الله تعالى خلق آدم بشرا سويا من غير والد ووالدة.
والغرض من الحديث
: أنه عليه الصلاة والسلام لم يدر في أطوار الخلق ، بل أبدعه الله على صورته.
ومن أحاط بما
ذكرناه ، لم يصعب عليه مدرك تأويل ما يسأل عنه ، بعد التثبّت وعدم الابتدار إلى
تأويل كل ما يسأل عنه من مناكير الأخبار.
فهذا ، رحمكم الله
، كاف بالغ في إثبات العلوم بالصفات الواجبة المنقسمة إلى النفسية والمعنوية ، وقد
اندرج في خلل الكلام في هذا القسم ، إيضاح ما يستحيل على الله تعالى.
__________________