وجم غفير لا يحصون
من غير تواطؤ منهم ، ولا مسّتهم حاجة ، ودعتهم داعية إلى القيام عامة ؛ فيعلم أن
هذا الخبر خلف ؛ فإنه على خلاف العادة ، وهو بمثابة الخبر عن انقلاب الجبال ذهبا
إلى غير ذلك.
ثم
إنما يثبت التواتر بشرائط. فمنها أن يكون المخبرون عالمين بما أخبروا عنه على الضرورة ؛ مثل
أن يخبروا عن محسوس أو معلوم بديهة بجهة أخرى ، سوى درك الحواس. ولو أخبروا عما
علموه ، نظرا واستدلالا ، لم توجب أخبارهم علما ؛ فإن المخبرين عن حدث العالم
زائدون عن عدد التواتر ، وليس يوجب خبرهم علما ، والمخبرون تواترا عن بلدة لم نرها
مصدقون على الضرورة ، وليس ذلك مما نحاول فيه تعليلا ، أو نظرا ، أو فرقا ، أو
دليلا ، ولكنا بينا أن مأخذ العلم بالمخبر عنه استمرار العادة. وقد رأينا العادة
مستمرة على ما ذكرناه في المخبر عنه على الضرورة ، دون المخبر عنه نظرا ، فجرينا
على موجب العادة في النفي والإثبات.
والشرط
الثاني للخبر المتواتر أن
يصدر عن أقوام يزيد عددهم على مبلغ يتوقع منه التواطؤ في العرف المستمر ، ولو
تواطأ ومثلا لظهر على طول الدهر تواطؤهم. ولسنا نضبط في ذلك عددا هو الأقل ، ولكنا
نعلم أن كل عدد شرط في شهادة شرعية ، فعدد التواتر يربى عليه. ونهاية العدد في
الشهادة الشرعية أربعة ، فنعلم قطعا أن إخبار الأربعة. لا يعقب العلم الضروري
بالمخبر عنه ، إذ لو كان يعقبه ، لكان يضطر الحاكم عند شهادة الشهود إلى العلم
بصدقهم ، وليس الأمر كذلك.
ثم الذي أرتضيه
أنه لا يحصل العلم بإخبار خمسة أيضا ، فإن الشهود في مجلس القاضي لو استظهروا
بشهادة خامس ، أو سادس ، لم يحصل العلم الضروري بما أخبروا عنه. ولسنا نحدّ حدّا
في الأقل ؛ إذ الشرع ، كما ورد بتحديد الشهود ؛ فكذلك ورد بالاستكثار من زيادة
الشهود.
وإن رام ذو تحصيل
في ذلك ضبطا ، فليفرض خبر واحد عن محسوس ، ثم خبر اثنين ، ثم كذلك ، فزائدا صاعدا
؛ وهو في ذلك كله يعلم ما بطرقه من الرّيب وغلبات الظنون حتى ينتهي الأمر إلى
العلم الضروري. فإذا أدركه ، وانتفى عنه كل ريب ، ضبط العدة في المخبرين ، وقدر
أقل عدد التواتر ، ثم نفرض ما ذكرناه في صادقين مخبرين عما علموه ضرورة ؛ فإن اتفق
مثل هذا العدد غير موجب للعلم ، فذلك لتخلل كاذبين يحط أقل عدد التواتر ، وفي ذلك
مجال رحب للكلام لا سبيل للخوض فيه هاهنا.
ثم إن كان
المخبرون أنبئوا عما شاهدوه وعلموه ضرورة من غير واسطة ، فالكلام كما ذكرناه ، وإن
نقلوا ما أنبئوا عنه عن آخرين ونقل أولئك عن متقدمين ، وتناسخت الأعصار ، وتواترت
الأخبار ؛ فلا يحصل العلم الضروري بالمقصود من الخبر إلا عند استواء طرفي المخبرين
وواسطتهم ، والمعنيّ بذلك : أن يكون المخبرون عن المقصود أولا على عدد التواتر ،
وكذلك المخبرون عنهم ، إلى أن يتصل الخبر بنا ، فلو انخرم شرط من شرائط التواتر في
الأول ، أو في الآخر ؛ أو في الوسائط ، لم يحصل العلم بالمخبر عنه المقصود بالخبر.
ولا يشترط عدالة
المخبرين على التواتر ، ولا إيمانهم. فإن الأخبار إذا تواترت من الكفار في