وذلك قوله عزوجل : (فَمِنْهُمْ مَنْ
أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ ،
وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا ، وَما
كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ ، وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [سورة العنكبوت :
٤٠].
وقال الرب على
مفتتح أهل السفينة وإجرائها وإهلاك الكفرة ، واستقرار السفينة واستوائها ، وتوجه
أوامر التسخير إلى الأرض والسماء ، بقوله تعالى : (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها
بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) ، إلى قوله : (وَقِيلَ بُعْداً
لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [سورة هود : ٤١ ـ ٤٤].
وأنبأ عن الموت
وحسرة الفوت ، والدار الآخرة وثوابها وعقابها وفوز الفائزين ، وتردي المجرمين ،
والتحذير من التغرير بالدنيا ، ووصفها بالقلة بالإضافة إلى دار البقاء : بقوله
تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ
ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [سورة آل عمران :
١٨٥] الآية.
ومن أقسام الكلام
البليغ قص القصص من غير انحطاط عن الكلام الجزل ، ومعظم البلغاء يعلو كلامهم ما
شببوا ، فإذا لابسوا حكايات الأحوال جاءوا بالكلام الرث والقول المستغث ، وإن
حاولوا كلاما جزلا ، لم يدرك الكلام مقصده من المعنى.
وهذه قصة يوسف صلىاللهعليهوسلم ، مع اشتمالها على الأمور المختلفة ، والمؤتلفة مسرودة ،
على أحسن نظام وأبلغ كلام متناسقة الأطراف ، متلائمة الأكناف ، كأن آياتها آخذ
بعضها برقاب بعض. ثم القصص لا تخلو عن التردد والتكرار سيما إذا اتحدت المعاني ،
وما لنا نكلف أنفسنا في هذا المعتقد نزف بحر لا ينقص!
ومن صدق الآيات
على بلاغة القرآن اعتراف العرب قاطبة بها ، صريحا وضمنا ؛ فمنهم من اعترف وأفصح ،
ومنهم من سكت وصمت ولو كان في القرآن ما يجانب الجزالة ، لكان أحق الناس بالتعريض
لنسبته إلى الركاكة أهل اللسان.
فإن قيل : هل في
القرآن وجه من الإعجاز غير النظم والبلاغة؟ قلنا : أجل فيها وجهان معجزان :
أحدهما الإنباء عن
قصص الأولين على حسب ما ألقي في كتب الله تعالى المنزلة ، ولم يكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ممن عانى تعلما ومارس تلقف كتاب. وكان ينشأ بين ظهراني
العرب ، ولم تعهد له خرجات يتوقع فيها تلقف علم ودراسة كتاب ، وكان في ذلك أصدق
آية على صدقه.
واشتمل القرآن على
غيوب تتعلق بالاستقبال والإخبار عن المغيب ، قد يوافق كرّة أو كرّتين ، فإذا توالت
الأخبار كانت خارقة للعادات. فمن غيوب القرآن قوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ
وَالْجِنُ) [سورة الإسراء :
٨٨] الآية ، وقوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ
تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) [سورة البقرة : ٢٤]
وقوله تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ
الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) [سورة الفتح : ٤٧]
، وقوله تعالى : (الم غُلِبَتِ
الرُّومُ) [سورة الروم : ١]
وقوله تعالى : (وَعَدَكُمُ اللهُ
مَغانِمَ كَثِيرَةً) [سورة الفتح : ٢٠]
، إلى غير ذلك مما يطول تعداده.