إذ حق العبد أن
يرغب إلى الله تعالى فيما هو الأصلح له ، وعند ذلك يبطل القدر رأسا على أصول
المعتزلة.
ومما نخاطب به
البصريين أن نقول : الرب تعالى قادر على التفضل بمثل الثواب ، فأي غرض في تعريض
العباد للبلوى والمشاق والبلاء؟ فإن قالوا : لا يتصف الرب تعالى بالاقتدار على ذلك
، فإنا لو قدرنا ذلك لكان الرب تعالى متفضلا به ، واستيفاء الحق المستحق أولى من
قبول الفضل. قلنا : هذا قول من لم يقدر الله حق قدره ، وما ذكرتموه إنما يؤول إلى
نفي قبول المنن ، وذلك بين الأكفاء والأضراب ، ومن الذي يستكبر ، وهو عبد مربوب ،
من قبول فضل الله؟
والدليل عليه أن
الرب تعالى متفضل ، بابتداء التكليف عندكم معاشر البصريين ، فالثواب مترتب على ما
الله تعالى متفضل بأصله. ثم نقول : نسيتم أصولكم في الرجوع إلى الشاهد. ومعلوم أن
ملكا في زماننا لو تفضل على واحد ، وأكرم مثواه ، وأجزل جائزته ، وأعلى رتبته ،
واستأجر أجيرا ثم وافاه أجره بعد عرق الجبين وكدّ اليمين ، فالمتفضل عليه أحق
بكونه محظوظا مرعيا ملحوظا ؛ وسنعود إلى ذلك إن شاء الله عزوجل.
ثم نقول : العجب
كل العجب ممن يقول تعريض من يكفر للهلاك أصلح له من التفضل عليه! ولا مزيد على ذلك
في عمى البصائر ، وقانا الله البدع.
فصل
اللطف عند
المعتزلة ، هو الفعل الذي علم الرب تعالى أن العبد يطيعه عنده ، ولا يتخصص ذلك
بجنس ، ورب شيء هو لطف في إيمان زيد ، وليس بلطف في إيمان عمرو.
وقد يطلق اللطف
مضافا إلى الكفر ، فيسمى ما يقع الكفر عنده لطفا في الكفر. ثم من أصل المعتزلة أنه
يجب على الله تعالى أقصى اللطف بالمكلفين ، وقالوا على منهاج ذلك : ليس في مقدور
الله تعالى لطف لو فعله بالكفرة لآمنوا ، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.
وأما أهل الحق ،
فاللطف عندهم خلق قدرة على الطاعة ، وذلك مقدور لله تعالى أبدا. فنقول للمعتزلة :
لم أوجبتم اللطف في الدين؟ وهلا قلتم إنه يقطع اللطف تعظيما للمحنة ، وتعريضا
للمكلفين لعظم المشقات ، وقطع الألطاف تعريض للثواب الأجزل؟
فإن قالوا : الغرض
أن يؤمنوا ، قلنا : فأي غرض في تكليف من لا يؤمن؟ وإذا حكمنا العقول فاخترام من
هذه سبيله هو اللطف به ، دون تعريضه للتكليف ، مع العلم بأنه لا لطف في المعلوم
يؤمن المكلف عنده ؛ فهذا مبلغ غرضنا في الصلاح والأصلح واللطف.
باب
القول في إثبات النبوءات
إثبات النبوءات من
أعظم أركان الدين ، والمقصود منه في المعتقد يحصره خمسة أبواب :