أحدهما ، أن الرب تعالى قادر على التفضل بمثل ما يصدر عوضا ، فلا
غرض في تقديم ألم وتعويض عليه مع القدرة على التفضل بمثله. وسبيل ذلك كسبيل من
يؤلم ضعيفا ليعطيه رغيفا ، مع اقتداره على التفضل بمثله ابتداء. وهذا آكد في حكم
الله تعالى ؛ فإن القادر على الكمال الذي لا يتعاظم عنده عطاء ولا يكثر في حكمه
حباء ، والعبد عرضة للضرر وضيق العطن ، والتضرر بما يبذله وإن قل.
فإن قال قائل منهم
: لا يجوز التفضل بمثل العوض ، فقد باهت. فإن الأعواض نعيم منقطع ، أو مقيم دائم.
وعلى أيّ وجه فرض ، فهو مقدور لله تعالى من غير تقدير تقديم إيلام. فإن قالوا : لو
جاز التفضل بمثل العوض ، لجاز التفضل بمثل الثواب. قلنا : هذا ما نعتقده ، ونرد
على من حاد عنه. ولهم في ذلك خبط يأتي الشرح عليه في باب الثواب والعقاب إن شاء
الله عزوجل.
والوجه
الثاني في إبطال تحسين
الألم بالتعويض ، أن نقول : إذا جنى العبد على غيره وآلمه بقطع أو جرح أو غيرهما ،
والتزم على الألم عوضا وافيا من غير استئمار واستيذان من المؤلم ، فينبغي أن يحسن
ذلك منا حسب حسنه من الله تعالى ، فإن المعتزلة يقيسون أحكام الله تعالى في أفعاله
على أحكام العباد.
فإن قالوا : إنما
يحسن الألم من الله تعالى لعلمه بالتمكن من التعويض عليه ، والعبد لا يحيط علما
بعواقب أمر نفسه ، فليس له أن ينجز ألما لأمر لا يعلم الوصول إليه. وهذا باطل ؛
فإن للعبد أن يؤلم نفسه في ترقب منفعة موفية على ما يناله من النصب والتعب ، وإن
كان ذلك مظنونا ولم يكن معلوما يقينا. فإذا حسن منه ذلك في نفسه مع انطواء العاقبة
عنه ، حسن ذلك في غيره.
فقد بطل ما حاولوا
به الفصل بين حكم الله تعالى وحكم العبد. ومن أحاط بما قدمناه علما هان عليه
التسرع إلى دفع كل سؤال يوردونه مما لم نذكره.
وأما
الوجه الثالث في تحسين الألم ، وهو أن يدفع به ضررا أعظم منه ، فباطل لا محصول له في حكم
الله تعالى. فإنه ما من ضرر يقدر اندفاعه بالألم ، إلا والرب تعالى مقتدر على دفعه
دون ذلك الألم ، فليس في الإيلام إذا غرض صحيح ، وسبيل ذلك كسبيل من يتمكن من درء
ضرر سبع ضار عن صبي ، بأن يكلفه سلوك سبيل وطيّ لا وعورة فيه ، فلو كان الأمر كذلك
، فلا يحسن والحالة هذه تكليف سلوك سبيل مشوك ضرس حزن.
ومن قال منهم : إن
الألم لا يحسن بمحض التعويض حتى ينضم إليه قصد اعتبار الغير ، فقد أحال فيما قال.
فإن العقل إذا لم يحسّن إيلام شخص لوجه ، لم يحسّنه مع اعتبار غيره ، إذ ليس من
نصفه الحكم إتعاب شخص لاعتبار غيره. فإن قالوا : إنما يلزم ذلك لو جوزنا الإيلام
بمحض الاعتبار ، قلنا : هذا لا ينجيكم عما أريد بكم ، فإن العوض المحض إذا لم يخرج
الألم عن كونه ظلما ، فوجوده كعدمه ويبقى الاعتبار في حكم المجرد ، والذي يوضح ذلك
، أن من أعلمه نبي أن