وفرّقت بيننا. ومن (١) آثر الدّين على الدّنيا قبل ذلك من محمّد (ص) وعّده إحسانا.
وأثّرت قوّة كلام الله فى قلوبهم ولو لا ذلك لما أجابوه إلى ما دعاهم إليه من ترك الشّهوات الدّنياويّة ومن قطيعة من ذكرنا من الأحبّة ، ولا تابعوه على بذل الأموال والمهج له فى حياته ، والتّمسك (٢) بما شرعه لهم بعد وفاته والتّشديد فيه ، وما ظهر منهم من استماتتهم فى ذلك واعتكافهم (٣) عليه ومحبّتهم له والتزامهم (٤) إيّاه طائعين غير مكرهين. فأىّ (٥) إلف وعادة تقدّمت لهم ، وأىّ أيّام مرّت عليهم فى بدء أمرهم ، وسبيلهم ما قد وصفناه؟! وأىّ حجّة تثبت للملحدين بما يدّعونه فى باب الألف والعادة؟!!
فان قال (٦) قائل ، إنّه (٧) حارب (٨) من خالفوه وأجبرهم على قبول ما أتى به ، قلنا : قبلوه فى بدء (٩) أمره وهم مختارون ، حتى قوى أمره ؛ ثم عانده النّاس من كل وجه وأظهروا منازعته ؛ فلم يحب (١٠) الله عزوجل له قبول الصّغار على نفسه بعد أن أظهره الله. فحينئذ أكره المستكبرين والعتاة (١١) الذين كانوا يفتنون أصحابه ، على قبوله ، وألزمهم الذّلّ ، وأعلى المؤمنين به عليهم. وبذلك أمره الله عزوجل ، فقال : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) وإلّا ، فانّ أوّل أمره لا يخفى ، أنّه قام فيهم وهو رجل واحد ، ثار بين ظهرانى (١٢) قومه ، ما أظهر وأوحى إليه ربّه ؛ فجفوه ، واستخفّوا به ، وبلغوا من أذاه كلّ غاية ، وخرج فى بعض أيّامه حين رهقه
__________________
(١) ـ من : عن A (٢) ـ والتمسك : فى التمسك C (٣) ـ اعتكافهم : اعتكافه A (٤) ـ التزامهم : الزامهم C (٥) فأي : واى BC ـ (٦) ـ قال : ـ A (٧) فانه : انه ABC (٨) حارب : قد حارب B (٩) ـ بدء : بدوC (١٠) ـ يحب : يجب C (١١) العتاة : العناةAB (١٢) ـ ظهرانى : ظهران AC ـ