الأمر إلى الطّائف ، وعرض (١) نفسه على أهلها ؛ فنظر إليه عبديا ليل بن عمرو ، وهو قاعد فى ظل حائط له ، يتّقى حمارة القيظ عن نفسه وكان عبد ياليل (٢) بن عمرو سيّدا فيهم متكبّرا طاغية. فقال له : قم يا محمّد عن ظلّ حائطى ، فرفع رأسه إلى السّماء وقال : «يا رب ، إليك أشكو (٣) ضعفى وقلة حيلتى وهوانى على الناس. ان لم يكن بك سخط ، فلا أبالى ، ولكن عافيتك أوسع لى».
واجتمعت (٤) قريش وتعاقدوا فيما بينهم وتحالفوا وكتبوا بينهم كتابا ، وعلقوه فى الكعبة. واتفقوا أن يقطعوه (٥) ويقطعوا من تابعه ، فلا يخالطوهم ولا يبيعوا منهم طعاما وأن يمنعوا من مخالطتهم كلّ حاضر وباد (٦). وأخرجوهم إلى شعب مكّة. وبقوا فيه على هذه الحال. وكتبوا بذلك كتابا وعلقوه (٧) فى الكعبة حتى استقبح ذلك قوم من قريش واجتمع نفر منهم ومزّقوا (٨) ذلك الكتاب وقالوا : مزّقوا هذه الصّحيفة القاطعة. فلم يزل صلىاللهعليهوآله ومن آمن به يلقون هذا الأذى الشّديد من عشيرته وقومه إلى أن هاجر إلى المدينة على السبيل التى فى شهرتها غنية عن تطويل الخطب بها (٩) ، وهاجر على أثره أصحابه على نحو ما قد ذكرناه (١٠). فأىّ إلف جمع المسلمين مع هذه الشّدائد؟ وأىّ عادة تقدّمت منهم؟! وأىّ أيّام مرّت عليهم؟! وأىّ دهر أتى عليهم فى ابتداء أمرهم؟! فهذا كان أصل بنيانه وتأسيس أمر دينه ، وما بعد ذلك فهو فرع لذلك الأصل ، فان (١١) كان ذلك الأصل مبنيّا على الإلف والعادة ، فكذلك يجب أن يحكم فى الفرع ، فانّ الفروع (١٢) تقاس
__________________
(١) ـ وعرض : فعرض C (٢) ـ يا ليل : بالليل A (٣) ـ أليك اشكو : اشكو أليك B (٤) ـ واجتمعت : فاجتمعت B (٥) ـ يقطعوه : يقطعواAB (٦) ـ باد : بادى AC (٧) ـ علقوه : اعلقوه B (٨) ـ مزقوا : مرفقواA (٩) ـ بها : به ABC (١٠) ذكرناه : ذكرناC (١١) فان : ـ C (١٢) الفروع : ـ C