من الوبال من جهة الشّوك والهوام. فيرحمه والده وهو يقدر على منعه (١) من الدّخول ؛ ولكن يعلم أنّه لا ينتهى حتّى يدخله ، فتشوكه شوكة أو تلسعه عقرب ؛ فعند ذلك ينتهى ، وتزول شهوته ، وتستريح نفسه ؛ فيخلّيه حتّى يدخله. فاذا دخله (٢) ، لسعته عقرب ، فرجع ثمّ لم تنازعه نفسه بعد ذلك (٣) إلى العود إليه ، واستراح. فهكذا مثال النّفس مع البارى جلّ (٤) وتعالى ، وهذا معنى قولى : «لم يقدر على منعها» ، ولم ألزمه العجز.
قلت : وهذا أيضا (٥) منكسر (٦) من جهات.
قال : كيف؟
قلت : أليس تقول إنّ البارى جلّ وعزّ (٧) تامّ القدرة؟
قال : نعم!
قلت (٨) : فكيف لم يعرّف النّفس (٩) ما ينالها من الوبال إذا تجبّلت فى هذا العالم قبل أن تتجبّل فيه ، وهو قادر تامّ القدرة؟ فانّ ذلك أتمّ فى الحكمة وأبلغ فى الرحمة من أن ألقاها فى هذا الوبال الطّويل هذا الدّهر المديد. فان زعمت أنّه لم يقدر أن يعرّفها إلّا بعد تجبّلها فى هذا العالم ، فقد عجّزته ؛ لأنّ المخلوق أيضا لا يقدر أن يعرّف الصّبىّ إلّا بعد دخوله (١٠) البستان ؛ فاذا قد استوى الخالق والمخلوق فى القدرة ؛ وهذا هو العجز التامّ ، جلّ الله وتعالى عن ذلك. وإن زعمت أنّه قدر ولم يفعل ، فقد أدخلت النّقص فى رحمته وحكمته ، عزّ الله عن ذلك. وينكسر أيضا من جهات أخر : ألست تزعم أنّ النّفس كانت جاهلة (١١) بما يلحقها من الوبال
__________________
(١) ـ منعه : منصرف A (٢) ـ دخله : ـ A (٣) ذلك : ذلك A (٤) ـ جل و : ـ B (٥) ـ أيضا : ـ A (٦) منكسر : ينكسرB (٧) ـ جل وعز : ـ A (٨) ـ قلت : A (٩) النفس : ـ C (١٠) ـ دخوله : دخول AB (١١) ـ جاهلة : جاهليةC