قلت : قد جاء ذكر التعزية المذكورة من غير رواية عبد الله بن محرر ، كما سأذكره بعد ، وأما حديث مكحول عن أنس فموضوع ، ثم نقل تكذيبه عن أحمد ويحيى وإسحاق وأبي زرعة ، قال : وسياق المتن ظاهر النكارة ، وأنه من الخرافات. انتهى كلامه ملخصا.
وسأذكر حديث أنس بطوله ، وأنّ له طريقا غير التي أشار إليها السّهيلي. وتمسّك من قال بتعميره بقصة عين الحياة ، واستندوا إلى ما وقع من ذكرها في صحيح البخاري وجامع الترمذي ، لكن لم يثبت ذلك مرفوعا ، فليحرر ذكر شيء من أخبار الخضر قبل بعثة النبيّ صلىاللهعليهوسلم :
قد قص الله تعالى في كتابه ما جرى لموسى عليهالسلام ، وأخرجه الشيخان من طرق ، عن أبيّ بن كعب ، وفي سياق القصّة زيادات في غير الصّحيح ، قد أتيت عليها في فتح الباري.
وثبت في الصّحيحين أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «وددت أنّ موسى صبر حتى يقصّ علينا من أمرهما» وهذا مما استدل به من زعم أنه لم يكن حالة هذه المقالة موجودا ، إذ لو كان موجودا لأمكن أن يصحبه بعض أكابر الصحابة فيرى منه نحوا مما رأى موسى.
وقد أجاب عن هذا من ادّعى بقاءه بأن التمني إنما كان لما يقع بينه وبين موسى عليهالسلام ، وغير موسى لا يقوم مقامه.
ومن أخباره مع غير موسى ما أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» من وجهين. عن بقية بن الوليد ، عن محمد بن زياد الالهاني ، عن أبي أمامة الباهليّ ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لأصحابه : «ألا أحدّثكم عن الخضر؟» قالوا : بلى يا رسول الله قال : «بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل أبصره رجل مكاتب ، فقال : تصدّق عليّ بارك الله فيك. قال الخضر : آمنت بالله ، ما شاء الله من أمر يكن ، ما عندي من شيء أعطيكه فقال المسكين : أسألك بوجه الله لما تصدّقت عليّ ، فإنّي نظرت السماحة في وجهك. ورجوت البركة عندك. فقال الخضر : آمنت بالله ، ما عندي شيء أعطيكه إلّا أن تأخذ بي فتبيعني. فقال المسكين : وهل يستقيم هذا؟ فقال : نعم. الحقّ أقول ، لقد سألتني بأمر عظيم ، أما إنّي لا أخيّبك بوجه ربّي ، بعني ، قال : فقدّمه إلى السّوق فباعه بأربعمائة درهم ، فمكث عند المشتري زمانا لا يستعمله في شيء ، فقال له : إنّك إنما اشتريتني التماس خير عندي ، فأوصني بعمل. قال : أكره أن أشقّ عليك ، إنّك شيخ كبير ضعيف. قال : ليس يشقّ عليّ. قال : فقم فانقل هذه الحجارة ، وكان لا ينقلها دون ستّة نفر في يوم ، فخرج الرّجل لبعض حاجته ، ثمّ انصرف ، وقد نقل الحجارة في ساعة : فقال : أحسنت وأجملت ، وأطقت ما لم أرك تطيقه قال : ثمّ عرض للرّجل سفر ، فقال :